1. المقصود بمفهوم سن المراهقة

يمر الإنسان في حياته بمراحل شتى، ومن أبرز المراحل العمرية التي تشهد تطورًا ملحوظًا في حياة كل إنسان، مرحلة المراهقة، وهي تلك الفترة الفاصلة بين الطفولة والنضج أو الرشد، وتجدر الإشارة إلى أن بداية هذه المرحلة متفاوتة من شخص إلى آخر، إلا أن الفرق يظل متقاربًا بالضرورة، حيث تبدأ بالتقريب من سن الخامسة عشر، وحتى سن الخامسة والعشرين عامًا.

تتضمن مرحلة المراهقة في طورها عدة أقسام، تتمثل فيما يلي:

  • المراهقة الأولى أو المبكرة.
  • المراهقة المتوسطة.
  • المرحلة المتأخرة.

والحق أن هذه الفترة من حياة الإنسان تتسم بالصعوبة البالغة، والتحول الجذري، حيث ينتقل الإنسان بدوره من مجرد طفل، لا يشغل باله إلا اللهو، إلى شاب يافع، له رغباته الخاصة، ووجهات نظره التي من الصعب التأثير عليها، ومن هنا فإن المراهقة طور فاصل في حياة الشباب، عليه تنبني حياتهم التالية، فهو أساس تكوين شخصية الإنسان، بسماتها، وملامحها، وطموحاتها، وأهدافها، ورغباتها، ووجهتها، ودوافعها، كل شيء يمكن أن يمثل نقطة تحول في كيان المراهق.

ولما كانت فترة المراهقة من أهم الفترات العمرية على الإطلاق، والتي تشهد تغيرات شاملة في جوانب شخصية الإنسان وتفكيره، كان لزامًا توجيه الاهتمام المكثف إليها، وفق ما يتناسب مع معايير الشريعة الإسلامية؛ ليشب كل مراهق ناضجًا ساميًا، له كيانه المثالي، المشرف لأهله ومجتمعه.

يقول رب العزة – جلَّ علاه – في الآية الخامسة من سورة الحج: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ “.

2.خصائص المراهقة النفسية والجسدية والعقلية والاجتماعية

للمراهقة خصائص وسمات تميزها، وفيما يلي يتمثل تفصيل خصائص المرحلة، وفق جوانبها المتعددة:

  • الخصائص النفسية للمراهقة: تشهد مرحلة المراهقة تغيرًا جذريًا في نفسية المراهق؛ ولعل السبب الرئيسي لذلك يتمثل في التغيرات الهرمونية والجسدية، حيث أن الهرمونات تلعب بدورها دورًا مؤثرًا في جسم الإنسان، وما ينعكس على حالته النفسية والشعورية، تجد المراهق في هذه المرحلة يميل إلى البكاء غير المبرر في كثير من الأحيان، التشتت والحيرة إزاء كثير من المواقف الحياتية التي تواجهه، الحياء الشديد لا سيما لدى الإناث، كما تتسم المرحلة بالتغيرات المفاجئة والتي تبدو وكأنها عكسية مع بعضها العض، فتارة يميل المراهق إلى الحزن، والعزلة، والخوف، والتوتر، والانزعاج، وتارة أخرى يميل إلى الضحك، والبهجة، وبالتالي فالمرحلة مزيج من الإيجابيات والسلبيات، التي تجعل مشاعر المراهق مذبذبة، إلى أن تهدأ وتستقر بالتدريج، حتى يتم الانتهاء من المرحلة، والانتقال إلى طور الرشد.
  • الخصائص الجسدية للمراهقة: يبدو أن للخصائص الجسدية قسط وافر في حياة المراهق، حيث تكون التغيرات الجسدية في هذا الطور سريعة المدى، لدى كل من الذكور والإناث، لا سيما في بداية سن المراهقة، والتي تؤهل للسواء فيما بعد، ومن هنا ينبغي التقرب من الأبناء، لا سيما قبيل هذه المرحلة، ومحاولة توجيههم بصورة مناسبة، لا تسبب تعقيدًا، ولا حرجًا، كما تجعلهم على مقدار ولو بسيط، بما سيطرأ عليهم من تغيرات مفاجئة في هذه المرحلة، وتعويدهم على العناية بأنفسهم داخليًا وخارجيًا، فنشر الوعي المبني على دعائم العقيدة الإسلامية مهم للغاية، ولا بد أن ينبع ممن هم أهلٌ للتوعية.
  • الخصائص العقلية للمراهقة: الحق أن طور المراهقة يتسم بتوقف نضوج العقل والتفكير عن الأطوار السابقة في حياة المراهق، ولا يعني ذلك أن عقله قد توقف عن النضج تمامًا، بل إنه ينضج بدرجة أقل بكثير مما مضى، مما يسهم في التعرف على ذوي القدرات الخارقة في هذه المرحلة بالذات، وعلى الرغم من ذلك فإن سرعة البديهة، واستيعاب الأمور المعقدة من أبرز ما يميزها، حيث يبدأ المراهق في إطلاق مخيلته لرسم ما يميل إليه، وينجذ أحيانًا كثيرة إلى الانفراد بمخيلته، التي يطلق لها العنان، كما تتسم بالقدرة الفائقة على تذكر الأحداث بدرجة كبيرة، ويبدأ عقل الإنسان في تشكيل وجهات نظره، وتبني الآراء التي تتناسب معه.
  • الخصائص الاجتماعية للمراهقة: يبدو المراهق أكثر تأثرًا من المواقف الحياتية التي تواجهه، سواء في المحيط الأسري، أو على مستوى الأصدقاء، أو غير ذلك، فمن هنا تتشكل خلفية المراهق الاجتماعية، فيعرف ما له من حقوق، وما عليه من واجبات، وإما أن يصبح انطوائيًا، يقتصر في تعاملاته على البعض دون سواهم، أو اجتماعيًا، حسب البيئة التي ينشأ فيها، ويبدأ بالميل إلى الطرف الآخر، والانجذاب إليه بطبعه، إلا أن التربية القويمة، والتوجيه وفق تعليمات الشريعة الإسلامية له دور فعال في سمو أخلاقيات المراهق، وترفعه عن المضار والآثام.

3.فن التعامل مع ابني المراهق في مرحلة المراهقة وفق منظور إسلامي

الحق أن ببدء هذه المرحلة تبدأ معاناة الأسرة الحقيقة، حيث يفاجئون بتغير جذري في ميول، ورغبات، وسلوكيات أبنائهم المراهقين، فكما تلعب التربية السليمة في تعرض المراهق إلى مشكلات عادية، وصعوبات غير مؤرقة بدرجة كبيرة، نجد أغلب المراهقين يبدون أكثر حدة وعصبية، والانسحاب من نطاق الإطار الأسري، وحب العزلة، والأصعب من ذلك كله المراهقة العدوانية، وصراعاتها التي لا تنتهي، ومن ثم صعوبة التأثير في نفس الأبناء من المراهقين، واختلاف وقع توجيهات الآباء على أنفسهم، من الاهتمام والقبول، إلى الرفض والاعتراض، ومن هنا تتوالى شكاوي الآباء والأمهات، وتتابع استفساراتهم بخصوص كيفية التعامل بذكاء في هذه الفترة.

والحق أن التربية السليمة وفق معايير ديننا الحنيف، لها فاعلية كبيرة في تخطي مرحلة المراهقة، دون مشكلات تذكر، ومن هنا وجب الاهتمام بتوجيه الطفل على أسس منهجية قويمة منذ الصغر، حتى يشب على نهجها، ويضعها في اعتباره، أينما كان، ووقتما كان، ولا بد للأبوين تحري الموضوعية، والذكاء، والحنكة، في التعامل مع الوضع، بدلًا من الخوف الشديد، وحالة الترقب والذعر التي لا تزول، فالمراهق أصلًا يشهد صراعًا داخليًا يتطلب نوع آخر من الرعاية والإقناع، والمهم أن يقتنع حقًا بكل ما يتم توجيهه إليه، لأن عقليته تقوم بفلترة الأفكار، وتحليلها بصورة فائقة في سن المراهقة، ومن هنا وجب التعامل معه على أنه إنسان واعٍ، يمكنه التعبير عن رأيه، وسيلقى القبول ممن حوله، مع عدم المعارضة له، وتعنيفه في كل شيء، بل التقرب منه بما يميل إليه، وبالأفكار التي يقتنع بها.

من الضروري أن ينشغل المراهق فيما يفيد، من ممارسة الرياضات والألعاب التي يحبها، والمشاركة في الأنشطة والرحلات المدرسية المختلفة، فقط وجه أبناءك بصورة سليمة، ولا تخشى عليهم، تابع تصرفاتهم، ووجه انتقاداتك البناء بصورة يقبلهم الأبناء، وستحظى بقبول لديهم، وسيتقربون منك أكثر مما تتقرب إليهم.

الثقة مفتاح فلاح المراهق، وليس المقصود هنا الثقة العمياء، بل الثقة البناء، المبنية على أسس منهجية راسخة، وتوجيهات ثاقبة، أشعر أبناءك بأنك تضع فيهم ثقتك كاملة، واثنِ على سلوكياتهم الحميدة، وتعاملاتهم الراقية، وتصرفاتهم الحكيمة، وراقبهم من بعيد، صدقني ستصادف بكل ما هو جميل منهم، والأهم ألا تنشغل عنهم، بل لا بد من الوعي الكامل بخطورة المرحلة التي هم بصددها، والوعي بأن التوجيه السليم، والمتابعة البناءة، لها دور قويم في ثباتهم الانفعالي، وتمسكهم بالأخلاقيات، والآداب الإسلامية.

تعامل مع ابنك المراهق على أنه صديق حميم، لا عدو لدود، قد تسألني مستنكرًا: ” وهل أحد من الآباء يعامل ابنه على أنه عدو؟! ” نعم يا سيدي، فتعنيفك الشديد لابنك، والنفور منه دائمًا، والوقوف بالمرصاد لما يرتكبه من أخطاء، والتصدي لأفكاره وآرائه، كل ذلك خطأ فادح، يجعل ابنك يهرب بعيدًا عنك، وعن قسوتك في التعامل معه، ويتلاشى أن يصادفك من الأساس، ولكن الذكاء في مقابلة أخطائه، والتفكير معه في الحلول لها، وطمأنته من ناحيتك، سيجعله يخجل مرة أخرى من تكرار نفس الخطأ، ويحاول قدر الإمكان عما يجعله مخطأ في نظرك.

4.الفرق بين مرحلة المراهقة والبلوغ

أوضحنا سالفًا أن فترة المراهقة تشهد بعض التغييرات، كالتغيرات الجسدية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، أما مرحلة البلوغ، فالمقصود بها جانب التغيرات الجسدية فحسب، مما يطرأ على المراهق من تغييرات، ومن هنا فالبلوغ جزء من المراهقة، وجانب من جوانبها المتعددة.

أيها الآباء، إن أبناءكم أمانة، فأحسنوا تربيتهم، دينيًا، وخلقيًا، واجتماعيًا، علموهم من الصغر مراقبة الله – سبحانه وتعالى – واتخاذ النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة، يقتدون به قولًا، وفعلًا، وما خاب من تمسك برباط الله، ودينه الحنيف، وهو على دراية، ووعي كامل بتعاليمه السامية، وقتها سنجد جيلًا فذًّا، يحمل على عاتقه مسئوليته، ومسئولية أهله، ومجتمعه، ويتجلى إصراره على نهج ما يقربه من الله، ويضمن إليه حياةً كريمةً.

5.المراجع

بقلم / ايناس خالد