التربية بالارتباط هو أسلوب بدأ العالم في الدعاية له والتوجيه إليه، وهو ليس بأسلوب أو اتجاه حديث في التربية، فهو الطريقة التي تربينا عليها منذ القدم وبدون مسميات، وهي غالبا ما تأتي ‏بشكل حدسي للأمهات والآباء، ولكن جاء هذا النهج لإحياء تشجيع ‏الروابط بين الوالدين وخاصة الأم وطفلها بعدما ظهرت المربيات وجليسات الأطفال.

يسعى هذا النهج في رعاية الطفل والعناية به لزيادة مساحة التلامس والترابط بين الطفل ووالديه، لإبراز أفضل ما فيه ولإبراز أفضل ما في الوالدين من فطرة الحب والحنان، ويكون هذا الترابط عبارة عن سلسلة من الخطوات المؤثرة في نمو حياة الطفل. [1]

1- التربية بالارتباط

التربية بالارتباط قام هذا المفهوم على نظرية التعلق، وقد قام بصياغتها علماء علم نفس الأطفال، وكان أول من نادى بها

الطبيب النفسي جون بولبي، الذي عمل مع مجموعة أطفال كانوا يعانون من مشاكل عاطفية، حيث لاحظ جون أن الأطفال المضطربين كانوا محرومين من المودة والحنان منذ صغرهم، وكانوا ينزعجون بشكل أعلى من المعتاد، ومن هنا برز مفهوم التربية بالارتباط: [3] [2]

جاء هذا المفهوم عن التربية بالارتباط بعدما تأكد أطباء الطب النفسي للأطفال أن الطفل يحتاج إلى تأثير الوالدين الدافئ والحميم لينمو بشكل سوي.

جاء أيضا ليعبر عن أن اتصال الوالدين بالطفل وملامسته والاستجابة لاحتياجاته سيكون له تأثير دائم على صحة الطفل العاطفية وعلاقاته في المستقبل.

ستكون آلية هذا النهج من خلال خطوات تسلسلية تبني روابط دافئة مع الطفل.

وُجد أن هذا الأسلوب في التربية سيعود بأثره على كل من الوالدين والطفل حيث ‏ سيعزز في كل منهما الثقة في ذاته.

سيتعلم الوالدين كيفية التعرف بشكل مناسب على إشارات طفليهما والاستجابة لها.

سيشعر الطفل كذلك بالاطمئنان إلى تلبية احتياجاته وقرب والديه منه، والثقة في نفسه أكثر وأكثر كلما كبر.

2- المبادئ الأساسية للتربية بالارتباط

يسعى الوالدين لتربية أطفالهما ليصبحوا يوما ما قادرين على الاعتماد على أنفسهم، ويتمتعون بعلاقات صحية نفسية سوية، لذلك رُسخ هذا المفهوم الفلسفي في التربية من خلال عدة مبادئ:[4]

  •  الترابط وقت الميلاد

يكون من خلال لحظات اللمس والأحضان لذلك الطفل الصغير مباشرة بعد الولادة وخلال الأسابيع الأولى.

يعد بناء هذا الترابط خطوة هامة في تشكيل أواصر الارتباط الصحي طويل الأمد بين الوالدين والطفل.

يمكن أن يتعلم الأطفال الموجودين بالحضانات وكذلك الموجودين بالعناية المركزة تكوين هذه العلاقات الصحية مع البالغين في وقت لاحق من الحياة.

تسعى هذه الخطوة إلى تعزيز التلامس الجسدي والتواصل المستمر بين الوالدين والطفل.

  • الرضاعة الطبيعية

لطالما تصاعدت الدعوات التي تدعو الأمهات للرضاعة الطبيعية، وهنا يتم النظر إلى الرضاعة الطبيعية على أنها خطوة أساسية في خلق الارتباط بالطفل بجانب تغذيته وتهدئته بشكل صحي.

تعزز الرضاعة الطبيعية إحساس الأم بوليدها كما تعزز لديها فرص فهم علامات جوعه.

تخلق الرضاعة الطبيعية علاقة وطيدة بين الأم وطفلها من خلال التلامس وتلاقي عيونهما.

تؤدي الرضاعة الطبيعية أيضًا إلى تحفيز جسم الأم على إفراز هرمونات تزيد من غرائز الأمومة.

يحدث ذلك عن طريق إنتاج مستويات عالية من هرمونات البرولاكتين والأوكسيتوسين.

  • حمل الأطفال

يعزز حمل الطفل من التقارب الجسدي والثقة المتبادلة بين الطفل ووالديه أثناء حمله.

يمكن للأطفال أن يَشِبوا بشعور عالي من الأمان بين أحضان والديهم ويكون لديهم فرصة أقوى في اكتشاف بيئتهم.

يُمَكن حمل الوالدين للطفل من التعرف والقرب من أطفالهم أكثر.

  •  النوم المشترك

يُعتقد أن المشاركة في الفراش تمثل دعما كبيرا للطفل خلال فترة الليل.

تقلل المشاركة من القلق اتجاه بكاء الطفل أثناء الليل، حيث يمكن إرضاعه وتهدئته بسهولة خلال تواجده في نفس غرفة الأم. رغم أن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تنصح في الوقت الحالي بعدم حدوث ذلك لأنها قد تزيد من خطر الإصابة بمتلازمة موت الرضيع المفاجئ.

  • تفهم بكاء الطفل

في التربية بالارتباط تحظى صرخات الطفل عناية خاصة، فهي تعبر عن حاجة مطلوبة يود الصغير طلبها، وعلى الآباء أن يسارعوا للاستجابة لصرخات طفلهم وتعلم أسلوب التواصل معه.

يجب على الآباء أن يغيروا نظرتهم تجاه بكاء الطفل لأن ذلك يعد بمثابة جهود حقيقية من الطفل للتواصل.

يجب أن تؤخذ تلك الجهود بجدية من قبل الوالدين وتفهم هذه النوبات بدلاً من العقاب أو الرفض.

  • التوازن

مفهوم التوازن بين كل الأمور يعد توقعا صعب الوفاء به، خاصة في الأيام الأولى لتربية الأطفال الرضع، هذا لأن الوالدين يحاولون باستمرار خلق توازن بين تلبية احتياجات طفلهم المتطورة ومسؤولياتهم الأخرى.

  • ممارسة الانضباط الإيجابي

يُنصح الآباء بتشتيت انتباه الأطفال الأصغر سنا، وإعادة توجيههم.

تهدف هذه الطريقة في التربية إلى فهم السلوك السلبي للطفل.

يتم تشجيع الوالدين هنا على إيجاد حل مع الطفل، بدلاً من الضرب أو إجباره.

3- التربية بالارتباط في الاسلام

اهتم الإسلام أيما اهتمام بالتربية والحث عليها، والقيام بحقوقها وواجباتها، ولم لا وقد حثنا الرسول الكريم بقوله ” كُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِه” [5]، وقد خط الإسلام للطفولة حقوقا قبل ألف سنة قبل أن يتشدق بها المدافعين عن الطفولة وحقوقها، حتى أنه اهتم بحقوق الطفل قبل أن يولدفقد وصفهم القرآن الكريم بأنهم زينة الحياة الدنيا.

  • راعى الله حق الأجنة في بطون أمهاتها وحرم إجهاضها أو قتلها، وتوعد من يفعل ذلك بالتخليد في النار.
  • كفل الإسلام للطفل الرضيع حق الرضاعة الطبيعية من أمه،على الأب الإنفاق عليها وفق طاقته ومقدرته.
  • كفل الله للأطفال على والديهم حق النفقة والرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية، وكلفهم بحسن تربية أبنائهم.
  • اشترط سبحانه وتعالى لصحة الزواج الإشهار، حتى يشب الطفل لأبوين معروفين يتعهدانه بالرعاية والاهتمام.
  • جعل الإسلام من حق الرجل على ابنائه أن يختار لهم الأم الصالحة صاحبة الدين.
  • كان من أبرز حقوق الطفل في الإسلام مداعبتهم واللعب معهم ومصاحبتهم.
  • تجلت التربية بالارتباط فيما كان يقوم به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من تقبيل الحسن والحسين.
  • تعجب وقتها أحد الصحابة من فعله وهو الرسول العظيم، وأخبر الرسول صلوات الله عليه بأن له عشرة أولاد ما قبل واحد منهم قط.
  • يخبره من أرسله الله رحمة للعاملين صلوات الله وسلامه عليه “من لا يرحم لا يرحم”[6]
  • لم يترك الإسلام الوالدين دون أن يجعل لهم ثوابا وجزاءا عظيما، بل جعل لهم الجنة لمن أحسن تربية أبنائه، وجعل حق برهما حقا واجبا في الإسلام.

التربية بالارتباط ما هي إلا التربية بالفطرة الاسلامية السليمة والتي قد أخل بها التطور والتلاهي بأمور الدنيا بعض الشيء، فما تمثل هذه المبادئ إلا أمورا بديهية كانت تقوم بها الأمهات في الماضي دون علمهمن بدباجة وصياغة النظريات والفلسفات الحديثة في التربية، ولولا انشغال الآباء عن أبنائهم في دروب الحياة، واستئجار من يقوم بدورهم لأبنائهم لما كان لهذه النظريات أثر في حياتنا على الأقل في مجتمعنا الإسلامي.

4- المراجع

 

  1. Attachment Parentinghttps://www.askdrsears.com/topics/parenting/attachment-parenting
  2. Attachment Parenting https://www.webmd.com/parenting/what-is-attachment-parenting##1
  3. 7 Benefits of Attachment Parenting https://www.askdrsears.com/topics/parenting/attachment-parenting/7-benefits-ap
  4. All About Attachment Parenting https://www.healthline.com/health/parenting/attachment-parenting#basic-principles
  5. رواه الإمام البخاري في صحيح البخاري ، عن عبدالله بن عمر
  6. رواه الإمام البخاري في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة

بقلم : منى برعي