1- رعاية المسنين

الصغير يكبر والكبير يهرم وهكذا تدور دائرة الحياة في فلك واسع يعيد ذاته لتلف الدائرة، ومن واجبك تجاه كبارك من الوالدين أو الأجداد أن توفر لهم الرعاية الكاملة، ولم نقصد هنا بالرعاية مجرد تقديم الأكل والطعام، بل مراعاتهم نفسياً وصحياً، فمن منهم لم يحتاج إلى القليل من الحديث والتواصل اليومي، كي يشعرون أنهم مازالوا على قيد الحياة.

يقول سبحانه وتعالى: (… إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)، «سورة الإسراء: 23 – 24».

2- رعاية المسنيين في الإسلام

أمرنا الله  برعاية كبار السن والإحسان إليهم فتعد من أهم واجباتنا الحالية، أيضاً يُعد أهم واجب بالإسلام بعد عبادة الله وهو طاعة الوالدين وكبار السن منهم.. ولم يكتفي الله بنهينا عن كل ما يعرضهم للأذى بل أمرنا بأعلى مراتب المواساة لهم والإحسان إليهم.

فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه»،

فتخيل إلى أي مدى يأمرنا الله ورسوله بطاعة الوالدين، فكيص وصلت الحالة بالبعض لوضعهم في دار مسنين، أو التطاول عليهم.

3- من إجلال الله إكرام المسنين

إن الله يُحب المحسنين، ويأمر بطاعة الوالدين وكبار السن فتخيل مدى جمال إحسانك للمسنين، وضع رسول الله في حديثه إكرام المسنين بجانب إجلال الله فمن يجل الله يكرم المسنين،  ومن يوقر الخالق يحسن لمخلوقاته خاصة الضعفاء منهم.

وعن أَبِي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ».

4- اذا كانوا ضعفاء.. فدعائهم أقوى

إذا كانوا ضعاف البدن كبار السن، مُهدلي الهيئة، غير قادرين على رد الإهانة أو الإهمال، فمازالوا أقوياء بدعائهم لله، وإذا كانت القوة تختفي مع الزمن فإيمان القلوب يزداد بمرور الزمن ذاته، ومن منكم قادر على رد دعوة خرجت من قلب مؤمن في الليل، بدموع خاشعة .

فلم يتهاون الله ابداً مع تلك الدموع أو تمر هباءاً بل يسمع الله ويُجيب،” أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ” النمل” 62.

لذلك احذر دعوة ضعيف، مظلوم كبير السن، وخاصة إذا كانوا الوالدين، بل العكس قد تأتيك القوة والخير لمساعدتهم قال النبيصل الله عليه وسلم : «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ » البخاري.

فالله لا ينظر للقوة والضعف ولا الغنا والفقر، فينظر جل علاه إلى القلوب والأعمال، لذا تجد غالباً الضعفاء أو الفقراء أشد صدقاً مع الله وأكثر خشوعاً في دعائهم لأن قلوبهم غير مُعلقة  بأمتاع الدنيا.

وقال صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» رواه البخاري.

كما يُقال أن الجزاء من جنس العمل، فما تزرعه من البديهي أن تحصده ومعاملتك هي أساس زراعتك.. قال رسول الله : «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ» الترمذي .

5- المُسن في القرآن الكريم

أرذل العمر آخره الذي يفقد فيه الشخص حواسه، فيختل النطق والفكر، والقوة، فيشبهون الأطفال في نقائهم وضعفهم.

وصف الله عز وجل مرحلة الكبر في القرآن الكريم بأنها عودة إلى أرذل العمر في قوله:

﴿ واللهُ خَلَقَكُم ثمَّ يَتَوَفَّاكُم ومِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرذَلِ العُمُرِ لِكَي لا يَعلَمَ بَعدَ عِلمٍ شَيئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [النحل: 70

ولكن في حالة كبار السن لا يمكن إصلاح ما أفسده الزمن وما مر عليه العمر، فمثلاً في سورة الحج يقول الله تعالى ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يتوفى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ﴾ [الحج: 5].

وقوله في سورة الروم: ﴿ الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54]

أو كما أشارلنا بقوله: ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ﴾ [فاطر: 11]، وقوله في سورة المؤمن: ﴿ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ ولتبلغوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (غافر: 67)

كما يحدثنا الله تعالى على تغييرمراحل حياة الإنسان في أطوار مختلفة فأصله من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم يصير عظاما ثم يُكسَى لحما، ويُنفَخ فيه الروح، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفًا واهن القوى. ثم يشب قليلاً قليلاً حتى يكون صغيرًا، ثم حَدَثا، ثم مراهقًا، ثم شابا. وهو القوة بعد الضعف، ثم يشيخ ثم يهرم، وهو الضعف بعد القوة.

وقال تعالى:  ﴿ الله الَّذي خَلَقَكُم مِن ضَعفٍ ثمَّ جَعَلَ مِن بَعد ضَعفٍ قُوَّةً ثمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ قُوَّةٍ ضَعفاً وَشَيبَةً يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ ﴾  [الروم 54 ] .

لذا ارحمهم يرحمك الله دائماً، حتى يرحمك غيرك حين تُدار نفس الدائرة وتعود لأساس النفس.

6- المُسن في السُنة النبوية

كما حدثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور، عن شعيب، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو « أعوذ بالله من البخل والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات » ا.هـ.

وعن علي رضي الله تعالى عنه: أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة وعن قتادة: تسعون سنة. والظاهر أنه لا تحديد له بالسنين وإنما هو باعتبار تفاوت حال الأشخاص فقد يكون ابن خمس وسبعين أضعف بدناً وعقلاً، وأشد خرفاً من آخر ابن تسعين سنة.

كما عدّ الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المرحلة آخر مرحلة قبل الموت، وروى مطرف بن عبدالله بن الشخير عن أبيه – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت)) (6)

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ”([1]).

7- الصحة النفسية لكبار السن

كبار السن هم الذين بلغت أعمارهم 60 سنة أو أكثر ومنها يصبحون معرضون لبعض الأمراض أهمها الأضطرابات النفسية، التي قد تؤدي بعضاً منها للإكتئاب بسبب الإهمال من الأبناء أو سوء معاملتهم، أو حتى شعورهم بالوحدة، لذا كثيراً ما نجدهم يعانون من العصبية، والغضب السريع والارتباك بعض الشئ، مع التململ،و الخمول.

8- توصيات الوقاية من الاضطرابات النفسية لكبار السن

  • شارك دائماً أطباء ومتخصصين نفسسين في حالة تطور حالاتهم الصحية، والنفسية.
  • حاول أن تشغل وقته بأشياء يفضلها حتى لا يشعر بالفراغ.
  • خصص وقت من يومك للتحدث إليه والنقاش الشيق بينكما.
  • استضيف أصدقائه أو باقِ عائلتكم كي يشعر بأن الجميع حوله.
  • لا تهمل وجود الأحفاد أمام أعينهم أغلب الوقت، فهم بمفردهم قادرين على إخراجهم من أي حالة نفسية سيئة.

9- أداب التعامل مع كبار السن

  • إنصت إليه جيداً وقت التحدث فكن له أذناً صاغية.
  • تجنب مقاطعته أثناء الحديث، وأعطيه الأهمية الكافية.
  • التزم دائماً بالإبتسامة.
  • تحدث معه بصوت مسموع وبكلمات بسيطة يسهل عليه فهمها.
  • فمنهم من يعاني من ضعف السمع ومنهم لم ينتبه بسرعة فلا تتحدث سريعاً.
  • حدثه عن كل ما يفضله، وعن العادات والتقاليد القديمة، وحياته بالماضي.
  • أطلب منه الاستشارة، فيجعله ذلك واثقاً من نفسه، وأنه لا يمكن الإستغناء عنه.
  • اسأله دائماً عن صحته وأتصل به وانت بالخارج ليشعر دائماً أنه ببالك.
  • اسأله دائماً عما يفضله من الطعام والشراب أو المقتنيات.
  • خصص له برنامج ترفيهي بسيط اسبوعياً.
  • اذا كان يتمتع ببعض الهوايات حاول أن تدعمه لإكمالها.

تشير الدراسات إلى أن ما يصل إلى 20٪ من كبار السن قد يعانون من اضطرابات القلق بدرجات متفاوتة، ولهذا يجب التماس الاعذار لكل ردت فعل يقوم بها كبير السن، واستقبالها برحابة صدر.

10- المصادر

الألوكة الإجتماعية .. خطبة عن رعاية المسنين والإحسان إليهم

محمد بن عياد .. رعاية المسنين في الإسلام

بقلم : رنا شوقي