1- طفلي يقارن نفسه ماديًّا

 

مرحلة الطفولة من أهم المراحل العمرية، التي تؤثر بشكلٍ واضح في شخصية الإنسان، ولذلك يجب على  الآباء، والأمهات الاهتمام بالحالة النفسية للطفل في هذه المرحلة، فماذا  لو وجدت الأم طفلها يقارن بين مستوى أسرته المادي، وبين المستوى المادي لأسرة  صديقه، أو أحد أقاربه؟؟ في هذه الحالة  يأتي دور الأب، والأم، حيث أنه يجب عليهم احتواء طفلهم، وإقناعه بكل هدوء، بأن الجميع ليسوا متساوين، فهناك من هم أعلى في المستوى المادي، وهناك من هم أقل، وأن المستوي المادي ليس هو الميزة الوحيدة في الحياة، بل إن هناك الكثير من النعم التي نتمتع بها، ونتميز بها عن غيرنا.

2- التربية في الصغر كالنقش على الحجر

تنقسم حياة الإنسان إلى مجموعة من المراحل العمرية المتتالية، بدايةً من مرحلة الرضاعة، وحتى مرحلة الطفولة، وتأتي بعد ذلك مراحل الدراسة، وأولها الروضة، ويتدرج الإنسان ليصل مرحلة الصبا، ثم البلوغ، ثم الشباب، فالرجولة، ثم يبدأ العد التنازلي، ليصل لمرحلة العجز والشيخوخة، وهذه المراحل لا يمكن فصلها عن بعضها، فهي تعتبر مثل النسيج الواحد المتكامل، كل منها يؤثر في الآخر، ويتأثر به.

 

ولا سيما ترجع ملامح الشخصية إلى مرحلة الطفولة، التي يكون فيها عقل الطفل فارغًا تقريبًا، وعلى المسئولين عن تربيته زرع القيم الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية، والرحمة، وجميع المفاهيم الصحيحة، التي تساعده في بناء شخصية سوية، صالحة في المجتمع،

وتعتبر التربية في هذه المرحلة كالنقش على الحجر، مثلها مثل التعليم، لا يزول تأثيرها مهما مر الزمان.

 

وعلى كل المربين أن يدركوا تمامًا أنهم سوف يواجهون كثيرًا من الصعوبات، والعقبات، التي تعطل بعض الشيء ما يريدون غرزه في عقولهم، وقلوبهم.

 

وتعد أول هذه الصعوبات هي رغبات الطفل نفسه، سواء العاطفية، أو المادية، أو البدنية، باختلاف أنواعها، حيث نجد أن الطفل دومًا يقارن نفسه بجميع الأطفال في محيطه، سواء أكبر منه، أو أصغر، خاصةً مع إخوته، أو الأقارب من الدرجات الأولى، الدائم التواصل، واللعب معهم.

 

3- أسباب مقارنة طفلي مع غيره ماديًّا

 

في السطور التالية نبحث معك – عزيزتي الأم – عن أهم الأسباب التي تدفع أي طفل بوضع نفسه في محل مقارنة مع غيره، وبالأخص ماديًا، وبذلك يمكنك أن تتصرفي التصرف الصحيح عند وضع يديك على سبب المشكلة.

 

أول هذه الأسباب: هي الغيرة، فالطفل هنا لا يرى نفسه أقل من أصدقائه الذين يمتلكون هواتف ذكية، لا يدرك الأبعاد الأخرى، ولا يدرك الأولويات المادية، هو يريد فقط أن يكون مثل أصدقائه، وهنا عليك أن تتحدثي معه برفق، ووضعه في الصورة الصحيحة، ولا تعتقدي أنه طفل صغير غير مدرك لما تقولينه، في واقع الأمر هو سوف يفهمك تمامًا.

 

السبب الآخر للمقارنة مع الأطفال المحيطين: هو محاولة الطفل للفت انتباه من حوله، أو المهتمين به من أفراد أسرته، بأي طلب ما، حبذا لو كان هذا الطلب غير مرغوب فيه، أو مسموح به، ولا نخفي عليكِ أن طفلك يدرك ذلك جيدًا، فهو اختار هذا الطلب؛ ليأخذ أكثر وقت ممكن من أولوياتك، واهتماماتك، يريد أن يضع نفسه في خريطة رغباتك اليومية، وهنا عندما يأخذ الطفل حقه في الاهتمام، تزول كل رغباته غير المنطقية.

 

وقد يوجد سبب ثالث بمقارنة الطفل نفسه بالآخرين: وهو احتياجه ورغبته في الوصول لهذا المستوى الذي يتحدث عنه، فعندما يطلب منك زيادة في المصروف اليومي، قد يكون الطفل محتاج لمأكولات غالية السعر، يحبها، ويفضلها، كما رأى أصدقاءه، وهنا على الأسرة أن يلبوا رغبات أطفالهم بقدر المستطاع، وتعليمهم أن الحياة يلزمها ترتيب أولويات.

 

وعلى كل أب وأم أن يدركوا تمامًا أن مسئولية تربية الأبناء علاقة مشتركة بينهم، لا يمكن لطرف أن يتخلى عنها، ويوكل المهمة للطرف الآخر فقط، متخذًا انشغاله في العمل حجة لذلك.

 

لأن الأسرة المترابطة، المشبعة بالحب، والحنان تنتج أطفالًا أسوياء، أصحاء نفسيًا، قادرين على مواجهة أنفسهم في الخطأ، واللجوء إلى طلب المشورة في الوقت المناسب.

 

وفي النهاية عليكِ – عزيزتي الأم – أن تُحسني معاملة أطفالك، بدون الضغط على نفسيتهم، ووضعهم في مقارنة مع أخواتهم، أو أقاربهم، أو أصدقائهم، سواء في المجهود البدني، أو المستوى الدراسي، أو تحمل جزء من مسئولية المنزل، بل العكس يجب وضعه دومًا في محل ثقة، وفخر، بما يحبه، ويرغبه.

 

قال رَسولُ اللَّهِ – صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ -: ” اعدِلوا بَينَ أبنائِكم، اعدِلوا بَينَ أبنائِكم ” صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، الراوي: النعمان بن بشير، المحدث: شعيب الأرناؤوط.

 

 

4- طرق علاج الغيرة لدى الطفل

 

تطلع الطفل لغيره، ومقارنته المستمرة بين مستوى أسرته المادي، والمستوى المادي لغيره، من أصدقائه، أو أقاربه، مشكلة كبيرة تزعج الآباء، والأمهات، وحل هذه المشكلة يختلف باختلاف عمر الطفل، فإذا كان الطفل عمره يتراوح ما بين 4 إلى 6 سنوات، فإنه في هذه المرحلة العمرية يحتاج شرحًا مبسطًا لفكرة اختلاف الطبقات، ويجب إقناعه بأن هناك من هم أقل من مستواه، ويتمنون أن يعيشوا مثله، كما أنه يحتاج الى جولةٍ في الشارع؛ ليرى المحتاجين، وغير القادرين، ليقتنع أنه يعيش حياةً كريمة، ويمتلك من النعم الكثير.

 

أما إذا كان طفلك يغلب عليه طابع الأنانية، ويريد امتلاك كل شيء، ويستخدم الصراخ، والبكاء، كوسيلة ضغط للحصول عليه، فعليكِ ألا تستجيبي لهذا البكاء، لأنه مجرد حيلة من الطفل، وهذا أمر في غاية الخطورة، والتصرف السليم هو حرمان الطفل من بعض الأشياء التي يحبها بعض الوقت؛ حتى يشعر بخطئه.

 

كما يجب على الأب والأم إظهار حبهم، وعطفهم إليه، ليبينوا له أن المال ليس كل شيء، فإن وجود أب سوي، وأم حنونة، نعمة كبيرة لا تقدر بمال.

 

أما إذا كان الطفل أكبر من 6 سنوات، فهو في هذه الحالة يصبح مميزًا، ويمكن أن يستخدم الدين في حل هذه المشكلة، بالإضافة إلى الحلول السابق ذكرها.

 

فيمكن أن نتحدث معه عن أخلاق النبي محمد – صلى الله عليه وسلم -، والذى كان يتسم بالقناعة، والرضا، فهو لم يكن أغنى الناس ماديًا، على الرغم من أنه رسول الله، وأفضل الخلق أجمعين، كما يمكن أن نذكر بعض الآيات التي ذكرت في القرآن الكريم، والتي تحثنا على الرضا، وشكر الله على نعمه، مثل قوله – تعالى -:  بسم الله الرحمن الرحيم ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” صدق الله العظيم – الآية 7 سورة إبراهيم.

 

وينبغي على الآباء والأمهات أن يظهروا لأبنائهم استياءهم من هذا الفعل، ولكن بطريقة هادئة، دون استخدام أي نوع من أنواع العنف، سواء الضرب، أو التوبيخ، أو حتى التأنيب، فهو مجرد طفل، يحتاج إلى التوجيه، وفهم الأمور بشكلٍ بسيط.

 

كما ينبغي أيضًا على الآباء، والأمهات، عدم استخدام  فكرة المقارنة، أثناء توجيه أطفالهم لأمرٍ مُعين، فلا يجب أن تقارن الأم طفلها بغيره من الأطفال؛ لتحفزه أن يكون مثل غيره من الأطفال، فهذه الطريقة خاطئة، وتحقق نتائج سلبية على الأطفال، فيجب على الآباء والأمهات عدم مقارنة طفلهما بغيره، بل عليهم أن يذكروا مميزاته، فمن الجدير بالذكر أن الأطفال هم انعكاس لأهلهم.

 

كما يجب أن يعلم الآباء والأمهات أن هذا الأمر عادةً لا ينتهي من المرة الأولى، بل يحتاج للتكرار؛ حتى يستطيع الطفل أن يدرك، ويستوعب الأمر، فيجب على الأم أن تذكر لطفلها دائمًا أنه ليس كل ما نراه يمكننا أن نمتلكه، فالصبر، والحوار الهادئ، هو الطريق لفهم طفلك.

 

المصادر

1- القرآن الكريم

2- حديث

3- إسلام ويب

بقلم مي صالح