إن من أبلغ الآيات التي تحدثت عن العلاقة الزوجية، وعن حق المرأة في حال الانفصال، قوله تعالى ” الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” (299   البقرة ).فقد حفظت تلك الآية حق الزوج في الاختيار، وحفظت وجوب كرامة المرأة، وحقوقها كزوجة، أو طليقة، فإن كانت الحياة الزوجية عمادها المودة والرحمة، وأحد أهدافها العفة، وسد الاحتياجات الطبيعية، إلا أنه قد يحدث الآن استمرار الحياة الزوجية، بالرغم من الانفصال العاطفي بين الزوجين،  وقد تمضي أيامها في غربة، وشتات، وصمت، في بيت الزوجية، وبيت الأهل؛ من أجل الاستمرار في هذا الشكل الاجتماعي، أو بسبب الخوف من تبعات الطلاق، فلماذا لا يكون الحل تسريح بإحسان؟ وطلاق بالمعروف ؟ وتنتهي تلك العلاقة، التي جردت  من معاني المودة والرحمة، وأصبح الانفصال هو الحل الأمثل!لذا إن كان ولا بد من الطلاق فبالمعروف

 

١- لماذا وقوع الطلاق؟ إن كان ولا بد من الطلاق فبالمعروف

إن كان ولا بد من الطلاق فبالمعروف، قد ينتهي المطاف بالزوجة إلى القضاء، كطريق لا تتمناه، من أجل البت في حالها، فإذا كان بالفعل الأصل في الزواج، هو التأبيد، و الاستمرار، والديمومة، إلا أنه في حال استحالة العشرة، يكون الانفصال هو الشيء المقدم، فيكون الطلاق بمعروف، والتسريح بإحسان، هو الحل الأمثل في تلك الحالات، فلا يوجد ما يبيح للرجال في تعليق الزوجة، وتركها مذبذبة، فلا هي أخذت حقوق الزوجية كاملة، ولا هي خرجت من ذمته، فتسعى من أجل حياة كريمة.

إن الزواج آية من آيات الله – جل وعلا – فقد قال تعالي: ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” الروم ( 21 ).

فالحياة الزوجية قائمةٌ على المودة، والرحمة، والعطف، والحنان، ولكن إذا ما تعكر صفو الحياة الزوجية، واختفت المودة و الرحمة، فقد جعل الشرع  للمتضرر من ذلك مخرجًا، فجعل عقدة النكاح بيد الزوج، وهو من بيده العصمة لأجل الطلاق، وفي المقابل، فقد جعل الإسلام للمرأة مخرجًا، في حالة ما إذا كرهت أن تبقى مع الزوج، ومن هنا فقد شرع الإسلام الخلع، فتطلب المرأة أن تخالع الرجل، وتطلب فسخ العقد الذي بيد الزوج، مع مراعاة أنه إن كان ولا بد من الطلاق فبالمعروف، وقد قال – جل وعلا -: ” الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” البقرة

٢-الإحسان إلى  المرأة فرض على الزوج

وبما أن العصمة في يد الرجل، كان حل تلك العصمة المنعقدة في يده، كما أن العبء الأكبر عليه، في رسم مسار تلك الحياة، سواء بالاستمرار، أو من خلال الفراق، وكلا الأمرين شرطهما هو: إكرام المرأة، و إعزازها، وإعطاؤها كامل الحقوق، من باب تسريح بإحسان، وطلاق بمعروف، وهو ما حث عليه الإسلام، مع عدم إيذائها، بالمن عليها، وظلمها بمساس شيء من الحقوق المالية، والنفسية، والعاطفية، والاجتماعية، او استضعاف المرأة، والضغط عليها، من خلال أي من الجوانب، التي تعتبر إضرارًا بها، وهذا منافيًا للإحسان والمعروف، الذي قد أمر الرجل بمراعاتهما مع المرأة، والالتزام به في التعامل مع المرأة، فإن الآية التي قد أشرنا إليه، نص صريح، وقاطع، في وجوب الإمساك بالمعروف، أو تسريح بإحسان، وعدم التعدي.

 ٣-وماذا بعد الطلاق؟

لقد أباح الإسلام الطلاق، في حال ما اشتد الشقاق، والنزاع، والخلاف بين الزوجين، وأصبحت الحياة بينهما مستحيلة، وقد حدد الدين الحنيف سبلًا أخلاقية، وطرقًا شرعية للطلاق، حتى يكون الانفصال بما شرع الله، من تسريح بإحسان، وطلاق بالمعروف،  وهو في حقيقة الأمر ما لا يحدث في أيامنا تلك، حيث عادة ما ينتهي الأمر في ساحات المحاكم، ويتبادل الزوجان أبشع الاتهامات، مما يتنافى مع الضوابط، والأخلاقيات، التي قد حدها الشرع الحكيم.

لقد أوجب الإسلام على المرأة المطلقة، أن تبقي فترة العدة في بيت الزوجية، وذلك طمعًا في أن يراجع كلًّا من الزوجين نفسه، لعل هذا يؤدي إلى  الإصلاح، وعودة المياه إلى  مجاريها مرة أخرى، ولم شمل  الأسرة بعد تفككها، فقد قال – تعالى -: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ” الطلاق الآية 5.

وقد اتفق الفقهاء جميعًا على أن المطلقة طلاقًا رجعيًا، تستحق النفقة، والكسوة، وهذا كله يصب بالطبع في باب الإصلاح، ومن هنا إن كان ولا بد من الطلاق فبالمعروف.

 

٤-صور التعدي ومخالفة الطلاق بالمعروف

لا شك أن الكيد للمرأة في نفسها، أو في أبنائها، والرغبة في الانتقام منها، في العديد من الصور، مثل: طول مقاطعتها، أو من خلال تعطيل مصالحها، أو تأخير طلاقها، أو المبالغة في التعويض المتفق عليه، من أجل الانفصال، وإخراجها من بيتها، قبل أن تنقضي العدة، أو ما يقوم به بعض الرجال، من الحديث عن خصوصياتها، ولو تلميحًا، فإن هذا يعد من صور التعدي على المرأة، ومخالفة صريح الأمر الرباني في الآيات بقوله – جل وعلا -: ”  وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ” البقرة 231.

فعلينا أن نجعل من قرآننا، وأخلاقنا، أفعالًا ترى، وليس فقط شعارات ندندن حولها.

٥-الطلاق الرجعي ومقاصد الشريعة

إن الزوج الذي طلق زوجته مرتين، ومن ثم راجعها في حال العدة، فليتق الله فيها، كما عليه أن يحسن عشرتها، وذلك لقوله – تعالى -: ” فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ” البقرة 299.

أي ما يتعارف عليه، من العشرة الطيبة الحسنة، لقوله – جل وعلا -: ” أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ” البقرة 299.

أي أنه يفارقها بطلاقها في  المرة الثالثة، ونظير تلك الآية, ما جاء في قوله – تعالى -: ” فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ  ”  الطلاق آية 2  والمراد بالإحسان هنا: أن يمتعها بشيء يجبر الكسر، ويطيب قلبها، وألا يأخذ مما أعطاها شيئًا .

ومن الأمور التي علينا الإشارة إليها حول موضوعنا، تسريح بإحسان، وطلاق بمعروف، فالحديث عما للمطلقة رجعيًا على زوجها، فإن المطلقة رجعيًا زوجة ما دامت في العدة، لها ما للزوجات من نفقة، وكسوة، ومسكن، كما أن عليها ما على الزوجة من لزوم المسكن، والتزين له، لعله يراجعها، ويرث كل منهما صاحبه إن مات، وهو لا زال في العدة، وله السفر، والخلوة بها، ولا ننسى، إن كان ولا بد من الطلاق فبالمعروف.

 

مراجع