1- أحكام الخطبة في الإسلام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد, فنظرًا لأهمية عقد النكاح، والذي سماه الشرع الحكيم ميثاقًا غليظًا، فقد قال – تعالى -: ” وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا “( النساء 21 ). ونظرًا لما للعقد من آثارٍ عظيمة, فقد خصه البارئ – جل وعلا – بمقدمات قبل أن يتم إبرامه, والغرض منها أن يتم الإقدام عليه ببصيرةٍ، وروية؛ بغية أن يقام الزواج على أمتن الأسس، وتحقيق الغاية، ألا وهي الديمومة والبقاء، ولأجل أن تعيش الأسرة في حالة وجو من الاستقرار، بعيدًا عن كافة طرق الشقاق، والنزاع، والخلاف, ولينشأ الأبناء في جو من الألفة، والود، والسكينة، وكان من بين تلك المقدمات التي قد خص بها النكاح، بخلاف غيره من العقود ” الخطبة ” ،  وأهمية الخطبة في الإسلام، وسنتعرف من خلال هذا الموضوع، على بعض أحكام الخطبة في الإسلام .

2-تعريف الخطبة في اللغة والاصطلاح

بالطبع فإن الحديث عن أحكام الخطبة في الإسلام، يجعلنا نتطرق إلي تعريف الخطبة لغةً، وشرعًا، أما عن تعريف الخطبة في اللغة: بكسر الخاء، وهي مصدر الفعل خطب, ويقال خطب فلان فلانة خطبةً أو خطبًا، أي أنه قد طلبها للزواج, ويقال خطبها إلى أهلها: يعني قد طلبها منهم للزواج .

أما عن تعرف الخطبة في الشرع، أو الاصطلاح : فإن الخطبة طلب الرجل، وإظهار رغبته في الزواج من امرأة معينة، خالية من الموانع الشرعية .

3-مشروعية الخطبة في الإسلام

في واقع الأمر، فإن من أهم الأمور التي نتطرق إليها، من خلال موضوعنا حول أحكام الخطبة في الإسلام، الحديث عن مشروعية الخطبة في الاسلام، والتي قد ثبتت مشروعيتها بالكتاب، والسنة، والإجماع .

أما عن مشروعية الخطبة بالكتاب، فقوله – تعالى -: ” وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ” . البقرة 235.

ومشروعية الخطبة من السنة النبوية، فهناك العديد من الأحاديث التي مفادها ثبات جواز مشروعية الخطبة، والتي نذكر منها: ما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من أنه خطب عائشة – رضي الله عنها – البخاري ( النكاح /4793 ) ، وفي الصحيح أيضًا أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – خطب حفصة البخاري ( النكاح /4830 ) .

بل قد رغب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أراد الخطبة بالنظر إلى المخطوبة؛ لأنه أحرى أن يؤدم بينهما ، ففي الحديث : ( إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) أبو داود ( النكاح /2082 ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود  .( 1832 )

هذا وقد انعقد الإجماع على جواز الخطبة، وجرى عرف الناس عليها، منذ زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – إلي أيامنا تلك .

4-ما هي الحكمة من مشروعية الخطبة ؟

في واقع الأمر، قد شرعت الحكمة في الإسلام للعديد من الحكم، وقد بين العلماء بعضًا منها، في حديثهم عن أحكام الخطبة في الإسلام، نذكر منها ما يلي:

1-إن الخطبة تسهل تعارف الخاطبين على بعضهما البعض، قبل الإقدام على الزواج, وذلك حيث أنها هي السبيل إلي التعرف على دراسة أخلاق، وطبائع كلا الطرفين، بالقدر الذي قد سمح به الشرع، دون إفراط .

2-إشاعة روح المودة بين الخاطبين، مما يهيئ النفوس، والأجواء من أجل استمرار تلك الروح بعد الزواج .

3-العمل على تحقيق حالة من الاستقرار والسكينة، حيث يطمئن كل من الخاطبين إلي زوج المستقبل، لأن الحياة الزوجية ديمومة, ومن هنا قد اهتم علماء الدين بالحديث حول أحكام الخطبة في الإسلام، والحديث عن حكمة مشروعيتها .

5-ما هو حكم الخطبة في الإسلام ؟

مع القول بمشروعية الخطوبة، إلا أنها تأخذ أحد أحكام التشريع, ومن هنا فإننا ننقل أقوال أهل العلم في حكم الخطبة، كأحد المحاور المهمة حول أحكام الخطبة من منظور الإسلام، فالجمهور من الفقهاء يرون بأن الخطبة مباحة في أصل التشريع, إلا أن بعض العلماء قد ذهب إلى استحباب الخطبة, وقد تكون الخطوبة محرمة في بعض الحالات، كالخطبة على الخطبة, لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ” لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه .”

6-ما هي حدود العلاقة بين الخاطبين في فترة الخطوبة ؟

من أهم ما نتطرق إليه، من خلال موضوعنا حول أحكام الخطبة من منظور إسلامي، الحديث عن العلاقة بين الخاطبين، قبل إبرام عقد الزواج, ففي واقع الأمر، فإن الخطبة في الإسلام ليست عقدًا شرعيًا ملزمًا، بل هي وعد بالزواج, وبناءً على هذا، فإن الخطبة لا تعد زواجًا، ولا عقدًا, ولا تفيد ما يفيد عقد الزواج من أحكامٍ، وآثار, وتلك الحقيقة لا يغيرها ما قد جرى في أعراف الناس، من قراءة الفاتحة، أو لبس الشبكة، أو دفع مهر للعروس، أو الهدايا .

ولما كانت أحكام الخطبة في الإسلام، تختلف عن أحكام الزواج، وعقد الزواج، فإنها ليست عقدًا، ومن هنا فلا يجوز للخاطب أن يخلو بالمخطوبة، ولا يخرج معها إلا في وجود محرم, كما عليه ألا يطلع إلا على وجهها، وكفيها, ولا أن يلمسها، أو أن يصافحها, وعليها ألا تتعطر، وذلك أنها لا زالت أجنبية عنه، حتى أن يتم إبرام عقد الزواج, وذلك أن الخطبة إنما قد شرعت، من أجل أن يتعرف الخاطب على المخطوبة، قبل الإقدام على العقد .

ويجوز للخاطب أن يتحدث مع مخطوبته عبر الهاتف، وغيره من وسائل الاتصال، مثل الشبكة العنكبوتية, وعلى أن يكون الكلام جادًا، ومجردًا من معاني الهوى والرذيلة، مع عدم الإطالة في تلك المكالمات الهاتفية بين الخاطب والمخطوبة .

7-طريقة الخطبة للزواج

أما عن أنواع الخطبة، فإن الخطبة تنقسم من حيث الصيغة والأسلوب إلي قسمين، أو نوعين هما :

أولًا: الخطبة بالتصريح، وتلك الخطبة التي تتم من خلال عبارات صريحة، لا تحتمل غير طلب الزواج من المرأة, كأن يقول أحد الأشخاص أني أتقدم إلى خطبة ابنتك, أرغب الزواج من ابتتك, أو غيرها من الألفاظ، التي تنم عن رغبة الشاب في الزواج من فتاة، وهي طريقة الخطبة للزواج من خلال التصريح مباشرةً .

ثانيًا: الخطبة بالتعريض, وتلك الخطبة التي تتم بلفظ يحتمل معنيين، أحدهما ظاهرٌ، وهو غير مقصود، والآخر غير ظاهر، وهو المقصود، كأن يقول أن مثلك يرغب به .

فإن تمت الموافقة على الخطبة، وأجيب الخاطب إلى طلبه، كانت تلك الخطبة تامةً, أما في حال إمهال الخاطب إلى فترة؛ من أجل البحث، والتقصي، والسؤال، فإن الخطوبة حينها تكون ناقصةً، لعدم الإجابة .

وأخيرًا، على كل مسلمٍ مقبل على الزواج، أن يتعلم أحكام الخطبة في الإسلام؛ حتى يعلم الأمور التي قد أباحها الشرع في تلك الفترة، والأمور التي قد حرمها؛ كي لا يقع في المحذور .

8- المراجع

1-القرآن الكريم .

2-صحيح البخاري .

3-صحيح أبي داود للألباني .

4-المجلس الاسلامي للافتاء .