اختيار الصحبة الصالحة أساس صلاح أبنائنا، فالإنسان مخلوقٌ اجتماعي بطبعه، يأنس إلى الآخرين، ويحب الحديث إليهم؛ لذا كان لحسن اختيار الأصدقاء الأثر البالغ في اتخاذ الطريق المستقيم في الحياة، لأن اختيار الصديق الصالح سيسحب صاحبه نحو الطريق السليم، نحو رضا الله، ومحبته، واعتبر الصديق الحقيقي بمثابة الأخ، حتى أنه قيل عنه في الأمثال: ” رب أخٍ لم تلده أمك “.

الأبناء وأهمية اختيار الأصدقاء

أصدقاؤنا جزءٌ مهمٌّ في حياتنا، فمعهم نتشارك أحداث حياتنا ولحظاتها، نجد منهم الدعم، والمساندة في أوقات حزننا، قبل فرحنا، وهم مرآتنا التي تدلنا على عيوبنا، وبالتأكيد لقد عكفنا كثيرًا حتى استطعنا اختيار الصحبة الصالحة، التي تظهر من خلالها هويتنا.

فوائد الصداقة لأبنائنا

بالنسبة للأبناء يعد اختيار الأصدقاء، وتكوين الصداقات، جزءًا حيويًا من نموهم الاجتماعي، والعاطفي، وقد وجدت الدراسات أن الصداقات تساعد الأطفال على معرفة المزيد عن أنفسهم، وتطوير هوياتهم.

لا تتوقف فوائد الصداقة على الفوائد الاجتماعية، والعاطفية فقط ؛ حيث يمكن للأصدقاء التأثير بشكل إيجابي على صحة الأطفال، ونموهم الجسدي.

ليس من السهل على الطفل اختيار الصديق المناسب له، وتكوين صداقة معه، أو حتى الحفاظ على تلك الصداقة، وهذا أمرٌ طبيعي للغاية، فسيتنقل بين الصداقات، ويتقاسم تجاربه، وكلما كبر، كلما انفتح على أشخاصٍ جدد، حتى يجد من يتآلف معه، ويجد فيه ضالته.

اقرأ أيضًا: التربية الصالحة ودورها الفعال على الفرد والمجتمع

دور الآباء في اختيار الأصدقاء

من المفيد للأطفال إدارة وبناء علاقاتهم الخاصة، على الرغم من أننا كوالدين قد نرغب في تحمل المسؤولية، أو التدخل، ولكن هناك طرقٌ يمكننا من خلالها مساعدة أطفالنا على التنقل بين الصداقات، مع اختيار أصدقاء مناسبين؛ حتى يصبحوا أكثر ثقة في أنفسهم، وأكثر قدرة على تطوير مهاراتهم الاجتماعية، ويمكن ذلك من خلال:

  • ساعد طفلك على تطوير مهارات اجتماعية إيجابية، منذ سن مبكرة.
  • ساعده على فهم أهمية المشاركة، وأخذ مشاعر الشخص الآخر في الاعتبار، والاستماع إلى بعضهم البعض.
  • دعم اختيار الصديق لطفلك، من خلال تنظيم الكثير من الفرص لطفلك، للقاء الكثير من الأطفال المختلفين.
  • وضح لطفلك كيفية تكوين الصداقات، وكيفية البحث من أجل اختيار الصحبة الصالحة.
  • ساعد طفلك في العثور على أطفال آخرين، لهم اهتمامات مماثلة.
  • يشعر الأطفال الأكبر سنًا بالخجل، أو القلق؛ لذا على الوالدين المساعدة على تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم، في مواقف الحياة اليومية.
  • راقب طفلك من بعيد، لمنعه من تكوين صداقات مع أصدقاء السوء، مع مراعاة توعيتهم، وإرشادهم.

اقرأ أيضًا: أسرار التربية الحديثة

اختيار الصحبة الصالحة

تحدث مع طفلك حول اختيار الأصدقاء الصالحين، وكيف يمكنه فعل ذلك، فـ اختيار الصديق أمرٌ مهمٌّ للغاية؛ لأنه سيكون مرشده في الحياة، وهو من سيساعده على بناء هويته خارج إطار الأسرة، حدث طفلك كثيرًا من خلال هذه النصائح، عن أسس اختيار الصحبة الصالحة، وكيف يبحث عن هذا الصديق فيمن حوله: [1]

أسس اختيار الصديق

اختر صديقًا يقف معك في الأوقات الصعبة

من السهل علينا أن نجد أصدقاء صالحين في الأوقات الممتعة، فهذه الأوقات تجعل العلاقات سهلة، ولكن من هم الأشخاص الذين سيقفون إلى جانبك عندما تتحول وتتبدل الأحوال؟

من الصعب جدًا الوقوف بجانب شخص يمر بوقتٍ صعب، لذا فإن اختيار صديقٍ قوي بما يكفي ليكون الكتف الذي تتكئ عليه عند الحاجة، هو خيارٌ حكيم.

اختر صديقًا يحب الأشياء التي تفعلها

اختيار الاصدقاء يكون من بين من يشاركونك اهتماماتك، ويمنحونك أشياء للحديث عنها، أو مشاركتها، لا يتعين عليك اختيار صديق يحب كل شيءٍ صغيرٍ تفعله، ولكن يجب أن يكون لديكما بعض الاهتمامات المشتركة.

اختر صديقًا يمنح بقدر ما يأخذ

في بحثنا عن اختيار الأصدقاء، كثيرًا ما سنجد من يريدون فقط أشياء منا، لكنهم لن يبدوا أبدًا أي استعداد لتقديم أي شيءٍ لنا عندما نحتاج إليهم.

عندما تكون العلاقة أحادية الجانب، ينتهي بنا الأمر بالشعور بالاستياء، والغضب؛ لذا عند اختيار الصديق، اختر من تشعر معه بالتوازن بين الأخذ، والعطاء.

اقرأ أيضًا: تعليم الأطفال العبادات الإسلامية

صفات الصحبة الصالحة

اختيار الصديق الملتزم دينيًّا

إذا كان أصدقاؤك يسحبونك نحو الله، ويؤمنون بما تفعله، ويدعمونك في طريقك إلى الله؛ بحثًا عن فضائل الأعمال، لأنهم يريدون أن تظلوا معًا في المسار الصحيح، ويكون ملقاكم جنات النعيم في الآخرة.

اختر صديقًا صادقًا

الصديق الصادق أحد أفضل الخيارات عند اختيار الأصدقاء، فالثقة في القول، والصدق، هما حجرا الزاوية في أي علاقة، فالصديق الصادق لن ينافق، ولن يكذب، وسيكون المرآة التي تبحث عنها لنفسك، فلا خير في الصديق الكذاب.

اختر الصديق الإيجابي

من أسس اختيار الصحبة الصالحة الصديق الإيجابي، الذي يحث صاحبه على المضي قدمًا نحو أهدافه، وأحلامه، ويشعره بأهمية النجاح، ويدعمه، ويدعم قدراته.

فوائد اختيار الصحبة الصالحة

  • العون على طاعة الله، وعبادته، حيث يعين اختيار الصحبة الصالحة على المنافسة، وعلو الهمة في تأدية العبادات، والسنن، وفعل الفضائل.
  • العون وقت الشدائد، اختيار الصديق الصالح سيكون عونًا وقتما يشتد الدهر، وتكثر نوباته، فهو عدة المرء وعتاده.
  • البركة في مجالسهم، فهم يجتمعون على ذكر الله، وعلى كل ما يرضى الله، فتتنزل عليهم رحمات الله، ومغفرته.
  • زيادة المعارف بالصالحين، اختيار الأصدقاء الصالحين سيوسع دائرة المعارف من العباد الصالحين، ليجد المرء في نفسه همةً على العمل الصالح، وتحفيزًا كبيرًا.
  • الدعاء الصادق، الصديق الحق هو ما يحب لصديقه ما يحبه لنفسه، يحب له الخير، ويتمنى له النجاح، ويدعو له دون حتى أن يطلب.
  • الشعور بالراحة والطمأنينة، صحبة الصالحين تبعث في النفس الطمأنينة لحفظ الأسرار، والأمن من أي غدرٍ، أو حقد.

اختيار الصديق في الإسلام

لم يكن الدين الإسلامي مهملَا أبدًا لأي جانبٍ من جوانب حياتنا، والصداقة، وحسن اختيار الصحبة الصالحة حثنا الإسلام عليها في القرآن، والسنة النبوية، وقد ضرب لنا الصديق أبو بكر، والرسول الكريم – صلوات الله عليه – أعلى مثلٍ في اختيار الصديق الصالح، الداعم، المحب، الذي يفدي صاحبه، ولو بحياته.

  • شدَّد الرسول الكريم على ضرورة اختيار الصديق بقوله: ” الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ “. [2]
  • قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ” [3]
  • قول الله سبحانه وتعالى في سورة الزخرف عن هول يوم القيامة، وكيف كل صديق يدير ظهره لصديقه، إلا من شدد على اختيار الصحبة الصالحة، فقد فاز: ” الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِين ” [4]

عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسأَلْ، وَسَلْ عَنْ قَرينِهِ، فَكُلُّ قَرِينٍ بالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي، فليحرص الآباء أشد الحرص على عون أبنائهم على اختيار الأصدقاء الصالحين، وتشجيعهم على تلك الصحبة، وطرق كل الأبواب التي يمكن لأبنائهم أن يجدوا فيها تلك الصحبة الصالحة، من مجالس القرآن، والدروس، والمساجد، وغيرها، وفقنا الله وإياكم لما فيه صلاح أبنائنا.

المراجع

    1. أبو داود: 4833، وأحمد: 8641
    2. لفظ ابن حبان في صحيحه 2/321
    3. الزخرف: 67

بقلم م/ منى برعي