1-مقدمة حول العدل بين الأولاد في العطية وكيفيته

إنَّ من أعظم ما افترضه الله – جل وعلا – علينا تجاه نعمة الذرية، القيام على أمر تربيتهم، وتعاهدهم بما يصلح أمور دنياهم، وأخراهم, فهم رجال المستقبل، وهم فلذات الأكباد, ومن هنا فقد جاء الشرع الحنيف بالتوجيه على البناء الصحيح لأبنائنا, والأمر بالتسوية، والعدل بين الأبناء في شتي مناحي الحياة، ما بين الرعاية، والعطية، وسائر الشئون وفق وصية الله – جل وعلا – حين قال: ” يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ” النساء 11, ومن هنا فقد حرص الإسلام كل الحرص على الاعتناء بالذرية، ورعايتها، وتربيتها على منهج قويم، متبع لما قال الله، وقاله رسوله, وهناك أكثر من خطبة عن العدل بين الأولاد، للعديد من أئمة الإسلام، لأهمية هذا الموضوع في استقرار الأسر، وبناء المجتمعات, ومن هنا كان أحد الأمور التي شدد عليها الإسلام، ورسول الإسلام – صلى الله عليه وسلم – العدل بين الأبناء، وهو موضوعنا في هذه المقالة، فتابعونا .

2-طاعة الوالدين

لا شكَّ أن حديثنا عن العدل بين الأولاد، يجعلنا نتطرق إلي الأصل، وهو وجوب طاعة الوالدين, فلا أعظم من طاعة الوالدين بعد طاعة الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -, ومن هنا فقد قرن الله – جل وعلا – طاعته بطاعة الوالدين، فقد قال – تعالى -: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ” النساء 36 , وقوله – جل وعلا – في موضع آخر: ” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ” الإسراء 23 , وفي واقع الأمر، لو استطردنا الأدلة، لطال بنا المقام، ولكن ما ذكرنا فيه الكفاية، على وجوب طاعة الوالدين، وعدم عقوقهما .

3-البر والعقوق

ولقد حذر الله – جل وعلا – من عقوق الوالدين، وقد جاء التحذير في كتاب الله، وفي سنة رسوله مستفيضًا, ومن أدلة تحريم العقوق قوله – تعالى -: ” كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ” الإسراء 23 , بخلاف ما ورد في السنة النبوية من أحاديثٍ عديدة، حول تحريم العقوق، ووجوب البر والطاعة للوالدين, ففي واقع الأمر، فإن العدل بين الأبناء، والبنات في العطية، من الأمور التي ترتبط بالبر، فإن جزاء التفرقة بين الأبناء، قد يكون من العوامل التي تؤدي إلي حدوث العقوق من قبل الأبناء، كما سنتعرف من خلال محورنا القادم، حول نتائج غياب العدل بين الأولاد والبنات في العطية, وعقوبة من يفرق بين أبنائه .

4-نتائج غياب العدل بين الأبناء والبنات في العطية

ولما كان العقوق محرمًا، وأنه من أكبر الكبائر، فمن هنا كان كل ما يؤدي إلى العقوق فهو حرام, ومن أعظم صور تلك الأمور التي تكون سببًا في حدوث العقوق للوالدين، غياب العدل بين الأبناء في شتى مناحي الحياة، سواء العدل بين الأبناء في العطية، أو الهبة، أو الصدقة, فإن التميز بين الأبناء، والتفريق بينهم في الأمور الحياتية، من أكبر أسباب العقوق، والتسبب في وجود الكراهية بين الأبناء، ودافع للعداوة بين الأخوة، ومن العوامل المهمة التي تؤدي إلى الشعور بالنقص، وظهور ظاهرة التفريق بين الأبناء، من أخطر الظواهر النفسية، التي تؤدي إلى تعقيد الأولاد، وانحرافهم، وتحولهم إلى حياة الشقاء، والإجرام، والرزيلة، فمن هنا لا ينبغي الإهمال في جانب العدل بين الأبناء .

جزاء التفرقة بين الأبناء خطيرة, وهي من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف عن المنهج الصحيح للشريعة، والصراط المستقيم، والتي تعد من أكبر أسباب العقوق للوالدين، والتي قد تؤدي إلى القتل والعياذ بالله, وهناك ما يشهد لهذا في الواقع، ونراه نصب أعيننا .

العدل بين الأبناء في جميع الجوانب، فعلينا أن نعدل بين الأبناء، والبنات في العطية، والعدل بين الأبناء في المعاملة الحسنة، فالمفاضلة تختلف، فمنها المفاضلة في المحبة، والمفاضلة في المعاملة، أو غيرها من صور التفريق بين الأبناء، والتي منعها، وذمها الشرع الحنيف، لما له من الأسباب والعواقب الوخيمة، والجسيمة، وهناك من الآباء والأمهات من لا يعدل بين الأبناء ظلمًا وجورًا، وتعسفًا، فبالطبع هو يقع في الحرام، وإن كان لا يدري.

فعلينا أن نعلم بأن مفاسد ترك العدل بين الأبناء لها أسوأ النتائج، في الانحرافات السلوكية، والنفسية، حيث أنها تولد الحسد، والكراهية, وتتسبب في حالة من الخوف، والحياء, والانطوائية، والبكاء، كما أنها تورث حب الاعتداء على الآخرين، من أجل تعويض النقص الحاصل، في ظل التفرقة بين الأبناء, بل إن من مفاسد ترك العدل بين الأبناء، أنه يؤدي إلى المخاوف الليلية مع الإصابات العصبية، والأمراض النفسية، والأمراض غير العضوية، مما يؤدي إلى مراجعة الأبناء بمستشفيات الصحة النفسية, وغيرها من المفاسد، التي لو سردنا القول فيها، لطال بنا المقام، ولكن ما ذكرنا فيه الفائدة، والعظة، لكل أبِّ، أو أم، قد ممن وقعوا في هذا المحظور الشرعي .

5-أدلة وجوب المساواة بين الأبناء

لقد جاءت الكثير من الآيات، والأحاديث التي تحث علي وجوب العدل بين الأبناء، والتحذير من الحيف، والجور, أو التفريق بين الأبناء في الهبات، أو المعاملة، أو العطايا، أو غيرها من صور التفريق, فعلينا أن نعي مدى المفاسد، والعواقب الوخيمة التي تحدث حال التفرقة بين الأبناء، وهذا ما قد تطرقنا إليه في محورنا السابق من هذا الموضوع, ومن خلال هذا المحور سوف نسرد لكم عددًا من الأدلة، من كتاب ربنا، وسنة نبينا – صلى الله عليه وسلم – على وجوب العدل بين الأبناء، وجزاء التفرقة بين الأبناء، وحكم العدل بين الأولاد في العطايا المالية، وغيرها من صور وأشكال العدل المختلفة .

فمن الكتاب العزيز:

1-قوله – جل وعلا -: ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” النحل 76 .

2- قوله – تعالى -: ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ  وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ” النحل  90 .

3-قوله – سبحانه وتعالى -: ”  وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ” الأنعام 152 .

وتلك الآيات جميعًا تشير إلى أهمية العدل، والابتعاد عن الجور، والحيف, وبالطبع فإن العدل بين الأبناء أحد أهم تلك الصور، التي قد أمرنا الله – جل وعلا – أن نعدل فيها, لما لها من دور في الطاعة، والبر من قبل الأبناء والعكس، ويحدث العكس من العقوق، والشقاق، فضلًا عن هضم حق الأبناء , ومن هنا يكون الوالدان قد عقوا الأبناء قبل أن يعقوهم .

أما من السنة النبوية :

فإن خير ما نستدل به، هو حديث النعمان بن بشير قال: ” أَعْطَانِي أبِي عَطِيَّةً، فَقالَتْ عَمْرَةُ بنْتُ رَوَاحَةَ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأتَى رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنِّي أعْطَيْتُ ابْنِي مِن عَمْرَةَ بنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فأمَرَتْنِي أنْ أُشْهِدَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: أعْطَيْتَ سَائِرَ ولَدِكَ مِثْلَ هذا؟، قالَ: لَا، قالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ واعْدِلُوا بيْنَ أوْلَادِكُمْ، قالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ ” رواه البخاري .

6-عقوبة من يفرق بين أبنائه

فقد ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة ” متفق عليه, فمن لم يعدل بين الأبناء، ويسوي بينهم في العطايا، ولم يأبه للأدلة الشرعية، فهو غاشٍ لأولاده، وظالم، ومفرق بينهم، ومن هنا فهو مستحق لعقوبة الله – جل وعلا – والعياذ بالله .

7- مراجع

1-القران الكريم .

2- العدل بين الأولاد موقع الألوكة .

3-العدل بين الأبناء في كل شيء واجب موقع إسلام ويب .

4-العدل بين الأولاد موقع صيد الخاطر .

5- كيفية العدل بين الأولاد في العطية .

6-العدل بين الأبناء من ملامح التربية الاسلامية .

بقلم : عبد الرحمن أمين