1.     الخطبة والزواج.

غالبًا ما تتسم فترة الخطبة بين الشريكين بالتفاهم ، والرقي في التعامل، ومشاعر الرومانسية الفياضة، مما يشعر الشريكين بأنهما سيعيشان معًا أفضل حياة على الإطلاق، وأنهما شريكان غاية في المثالية، مما يجعل كل منهما يرسم لوحة كاملة المعالم والأوصاف، لمسار حياتهما الزوجية لاحقًا، وبين المشاعر الفياضة، والمجاملات المتلاحقة، يتناسى الطرفان التخطيط لمستقبلهما، وتحديد عيوب الآخر، وتحليلها، مما يجعل كلا الطرفين، أو أحدهما يشعر بالصدمة وفجوة ما بعد الزواج ، فما الحل حينها يا ترى؟ وهل هي نتيجة حتمية؟ أم أن بإمكان الزوجين أن يعيشا حياة أجمل من فترة الخطبة؟ أو مثلها على أقل تقدير؟

الأمر ليس حتميًا تمامًا، وإنما نحن من نحصر أنفسنا في مساراتٍ، لا تجلب إلينا سوى المعاناة، ومن ثم يكمن الحل في دراسة شخصية الشريك جيدًا في فترة الخطبة، والتعرف على مزاياه، وعيوبه، والتعرف على إذا ما كان بالإمكان تقبل عيوب الطرف الآخر، أم أنه لا مجال لتحملها إطلاقًا، كما لا بد للشريك أن يتسم بالاتزان، والنظرة المستقبلية البناءة، التي تمكن من هيكلة الأساسيات الحياتية، التي ترسم خطى ما بعد الزواج فيما بعد، والتحلي بمنهج الشريعة الإسلامية، حيث الالتزام بالحدود، وعدم تخطيها، فالخطبة ليست زواج على الإطلاق، وإنما هي مجرد وعد بالزواج، ومن هنا، وجب التعامل خلال هذه الفترة وفق معايير محددة، لا ينبغي الانحراف عنها، فلا يجوز المبالغة في التدليل، والرومانسية الزائدة، والمكالمات الطويلة، التي لا تجدي، وإنما ينبغي التعرف على جوهر الشخصية، والحكم عليها من مواقف عدة، تضمن رسم خطى مستقبلية، في شكل التعامل، وأسلوب المعيشة، وما إلى غير ذلك من الأمور المهمة بعد الزواج.

2.     فجوة ما بعد الزواج.

تتوالى العديد من الشكاوي من قبل الأزواج، عن فجوة ما بعد الزواج، التي تعتري مسار حياة كل من الزوجين، والتي تعرقل حياتهما، وتجعلها تتخذ مسارًا غير محمود على الإطلاق، فما الحل حينها؟ وهل هي حقيقة ثابتة؟ أم بالإمكان تغييرها؟ لا بأس، فالحياة الزوجية السعيدة تتطلب عقلية واعية، ونظرة فاحصة، فالزواج أسمى العلاقات على وجه الأرض، ولعل السير وفق تعاليم الشريعة الإسلامية، تكسب الكثير من الحكمة في الحياة الزوجية، مما يقلل من المشكلات الزوجية محتملة الحدوث.

عقب الاندماج الذي يشهده الشريكان، في فترة الخطبة، والفترة الأولى بعد الزواج، يفاجأ الشريكان، أو أحدهما، تغيرًا جذريًا، غير مألوفٍ، ولا معهودٍ، لدى الطرف الآخر، وفي الغالب نجد أن التغيير يبدأ من طرف منهما، ومن ثم ينعكس التأثير بالسلب على الطرف الآخر، ومن هنا تبدأ فجوة ما بعد الزواج تتفاقم؛ نظرًا لتغافل الجدية، وضرورة التوقف مع الذات، والتعرف على الأسباب، ومحاولة تفاديها، بل على العكس تمامًا.

يشتكي بعض الأزواج من إهمال زوجاتهم إلى أنفسهن، لا سيما بعد الحمل، والولادة، من إهمال لطلعتها البهية، التي عرفت بها من قبل، فضلًا عن إهمال الاهتمام بالزوج، ونظافة البيت، والأطفال؛ لانشغال الزوجة الزائد بالمسئوليات المتعددة، التي تلقى على كاهلها، مما يجعل الزوج ينفر منها، ويتمنى في قرارة نفسه، لو تعود يومًا كما كانت، وما عهدها عليه من قبل، إلا أنه على الرغم من ذلك، قلما حاول أحد الأزواج تحري الحوار الفعال بينه، وبين زوجته، وتنبيهها لما آلت إليها أمورها، وما يتمنى أن يراها عليه، بدلًا من إلقاء اللوم عليها في كل مرة، والانسحاب التدريجي من الحياة الأسرية السعيدة، التي طالما حلم بها الزوجان.

العديد من الزوجات يعانين من إهمال أزواجهن إليهم بعد الزواج، وعدم التعبير عن المشاعر الفياضة، كما عهدت، وتعودت، وألفت من قبل، مما يجعلها تشعر بالحزن، لا سيما إن حاولت إفهام زوجها، وطلب الاهتمام منه، كما كان من ذي قبل، فيقابل عتابها بالاستخفاف، والتقليل مما ترغب فيه من زوجها، فتحاول مرارًا، وتكرارًا، ومن ثم تترك حبال العلاقة الزوجية السامية في مهب الريح، كما وجدت زوجها غير مبالٍ بها من الأساس، ومن هنا تتسع فجوة ما بعد الزواج.

يعلل بعض الأزواج إهمالهم إلى زوجاتهم إلى أنهما في مرحلة جديدة، وضغوطات الحياة تزداد عليهم تباعًا، بالإضافة إلى أن الزواج بالنسبة إليهم ميثاق مؤكد على الحب، ومن ثم فلا داعي لإثبات حب الزوج إلى زوجته مجددًا، في حين أن الإناث كائنات رقيقة، تميل إلى الدلال، والمشاعر الفياضة، ولا تمل منها أبدًا، لأنها عاطفية أكثر بكثير من الرجل، فلماذا يبتعد الزوجان؟ رغم أن الحل بسيط، وغير مكلف على الإطلاق، فقط اهتمام، حب، مودة، رحمة، أي أساس الحياة الزوجية، وفق الشريعة الإسلامية.

3.     الحب الحقيقي والزواج.

الحق أن الحب الحقيقي، لا يمكنه بأي حالٍ من الأحوال أن يموت، أو يقل بعد الزواج، وإنما يزداد ترابطًا أكثر من أي وقتٍ سابق، فالمحب الحقيقي، لا يترك شريكه يخمن إن كان يبادله مشاعر الحب ذاتها، أم لا، بل يقطع تفكيره بمشاعره الفياضة، التي يجود بها على شريكه، فيجود عليه شريكه أضعافها، الحب الحقيقي ليس عيبًا، ولا داعي للحرج عند الإفصاح عنه، فها هو الحبيب المصطفى – صلوات ربي، وتسليمه عليه – أفصح عن حبه لزوجاته، وهو من هو إن رسول الأمة، الذي أتى كي يتمم رسالة الإسلام الحنيف، لم يخجل، ولم يبخل، ولم يجرح، بل عبر، ومدح، وشكر، فأين نحن من منهاج حبيبنا المصطفى – صلى الله عليه وسلم -؟

إن كان الطرفان يحبان بعضهما بحق، فلن يسمح أحدهما أن تنحدر علاقتهما، وتسوء، مهما واجها من عقوباتٍ، وتحديات، خلال حياتهما، نظرًا لإصرارهما على أن يكملا الحياة معًا، بحلوها، ومرها، يثقان في بعضهما، ويسهلان الحياة على بعضهما، يكونان صديقين لبعضهما البعض، قبل أن يكونا زوجين، ومن هنا تتحطم الموانع، التي تفصل كل منهما على الآخر.

4.     وصايا لكلا الزوجين تضمن لهما حياة أفضل.

  • أول ما ينبغي التنبيه عليه، أن الله – عز وجل – إن رضى عن حياة زوجين، طرح فيها البركة، والهناء، والعيش الرغيد، ومن هنا فأول وصية تكمن في سعي الزوجين في إرضاء رب العالمين، يفعلون ما يأمرهم به، وينتهون عما ينهى عنه، يعينان بعضهما على طاعته – سبحانه – ولا يتوانيان عن تأدية حقوقه – جل علاه -.
  • لا بد أن يعلم الزوجان أن المشكلات التي يمران بها خلال مسيرتهما الزوجية، من شأنها الترابط أكثر، وفهم كل طرف لشريكه بصورة أفضل، وليس المراد منها أن يتشبث كل طرف برأيه، والتركيز على إلصاق التهم للطرف الآخر.
  • ينبغي على الزوج، بما له القوامة، أن يكون القائد، الذي لا يسمح بأن تنحط علاقته بزوجته، وأن يكون لطيفًا، ودودًا، يعاملها برفقٍ، ولا يدع ساعات الخصومة تطول بينهما، حتى لا تتخذ العلاقة الزوجية مسارًا سلبيًا، لا يمكن إصلاحه بسهولة فيما بعد، كما ينبغي أن يتسم بالحكمة في التصرف، والتدرج في العقاب، كما أوضحت الشريعة الإسلامية، وأن يعامل زوجته، كما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في معاملة زوجاته.
  • على الزوجة أن تحتوي زوجها، وتقدر حجم المسئولية الموكلة إليه، وتحمله وقت غضبه، ومن ثم عتابه بود، مما يجعل لمكانتها خصوصية في قلبه، كما يجب أن تفعل كل ما بوسعها، من أجل إرضاء زوجها، وتخطيط أوقاتها، حتى لا تهمل حقوقها، وحقوق زوجها.
  • عدم السماح بوجهٍ أو بآخر، بأن يتدخل أي شخصٍ من أسرة الزوج، أو الزوجة، في شئون حياتهما، ومشكلاتهما، فلا بد ألا تخرج زمام أمورهما خارج نطاق بيتهما، ذلك أسمى، وأفضل بكثير، حيث لا يدع فرصة للشقاق بينهما، ولا يدع خصوصياتهما محطة للقاصي والداني، يعطي كلٌ رأيه فيها، دون وجه حق، كن حكيمًا، حياتك الزوجية تشتمل عليك وعلى زوجتك، وفقط، فإن كنت لا تتمكن من تخطي عقبات حياتك، فهل أنت أهل لتلك المسئولية؟ وهل سيغير من يتدخل في حياتكما شيئًا للأفضل؟ محالٌ يا عزيزي، فلا تدع حياتكما في مهب الريح، وإلا ستفيق على حياةٍ، لا دور لك فيها، ولا سيطرة منك عليها, وإن صار العكس، فاظفر باحترامٍ في عين نفسك، وزوجتك، وأعين الآخرين، مما لا يسمعون عنك إلا الخير.
  • لا حياة بدون مشكلات، فينبغي أن تكون المشكلات سلالم نصعد عليها، لنعلو، ونرتقي، ونتفهم شريكنا بشكل أفضل، مما يقلل الصدام، أو على الأقل، يكسب الحكمة في التصدي إلى أية مشكلة، وعدم تركها تتفاقم.
  • على كل من الطرفين أن يكلل جهوده من أجل إرضاء الطرف الآخر، فكل منهما في حاجة ماسة إلى الاهتمام، والود، والمحبة، فالحياة ليست عملية على سبيل الدوام، ولم يجعل الله الزواج أسمى علاقة، حتى يتغافل الزوج عن زوجته، مبررًا ذلك بالأعمال الشاقة، والمسئوليات التي لا تنتهي، والصراعات التي لم يعد يطيق حدوثها، ولا أن تنشغل الزوجة عن زوجها في زحام الحياة، وتدعه ينشغل عنها رغمًا عنه.
  • الحياة الزوجية مشاركة، واحترام، وتقدير، وتسامح، وود، ومحبة، ورحمة، على كل زوجين أن يعيشا حياتهما بكل ما فيها من معانٍ جميلة، وألا يسمحا بأن يغيب رونقها في أعينهما، وأن يجعلا شغلهما الشاغل في عيش حياة سعيدة، تقوم على دعائم ديننا الإسلامي الحنيف، وتعاليمه القويمة.
  • تحملا بعضكما البعض، فعلاقتكما أسمى علاقة على وجه الأرض.
  • لا بد من الإصغاء إلى النقد البناء، والاعتراف بالخطأ، والمحاولة الجادة في عدم تكراره.
  • تشاورا معًا في كل أمور حياتكما، خصصا وقتًا لكما، بعيدًا عن مشاغل الحياة، يكون بمثابة فضفضة، مما يعود بالنفع على الترابط فيما بينكما.

لتفادي فجوة ما بعد الزواج، ليحرص كل من الزوجين على إسعاد الآخر، والاهتمام بعنصر المفاجأة من وقتٍ إلى آخر، سواء بتبادل الهدايا المعبرة عن المشاعر الفياضة، أو بالأقوال، والأفعال، التي تجعل شريك الحياة مزهرًا، ومنيرًا، عزز صلتك بشريك حياتك، ولا تدع ثانيةً تمر من دون أن تكون قد أضفت لمسة جمالية على حياتك، فحياتك لوحة جميلة، إما أن تلونها برقي، إبداع، وابتكار، فتحظى بأفضل حياة على الإطلاق، وإما أن تهمل في اختيار ألوانها، فتفسد في شكلها ككل، وليس ألوانها فقط، فلا تدع حياتك الزوجية تضيع هباءً، بل عشها بحب، وتفانٍ، وتحضر، ورومانسية، ولتحظى بحياة غامرة بالسعادة والهناء.

وللمزيد يمكن الإطلاع ايضا على مقال : نصائح مهمة ومعلومات لا تعرفها لحياة زوجية سعيدة

بقلم: إيناس خالد

المراجع: