1- مشكلة الامتناع عن الزواج

لقد عرفت المجتمعات الشرقية والإسلامية – بالتحديد منذ قديم الأزل – بحبهم، وتفضيلهم للزواج المبكر في بدايات عمر الشباب على فكرة الامتناع عن الزواج ولكن من الملاحظ خلال السنوات الماضية، أن الميول الأساسية للمجتمعات والشعوب تغيرت، وأيضًا تغير ذوقها العام، وتبدلت عاداتهم، وتقاليدهم، التي شبوا عليها.

ومن هذه التغيرات ما هو مفيد وفي مصلحة الشعوب، ومنها ما هو العكس، حيث فرضت طبيعة العصر المختلفة نفسها على أسلوب الحياة.

فتأثر تفكير الإنسان بالتطورات الجديدة، ومتطلبات الحياة الشبه رفاهية، وأصبحت من الضروريات الأساسية.

ومن هنا نتحدث عن مشكلة الامتناع عن الزواج، أو ما يطلق عليه عزوف الشباب عن الزواج، حيث أصبحت تلك المشكلة علامة واضحة في كل المجتمعات العربية.

– رأي الشريعة الإسلامية في مشكلة الامتناع عن الزواج

عندما نتحدث عن رأي الشريعة الإسلامية في هذا الشأن، نجد أنه لم يتم تحديد موعد، أو سن محدد للزواج، إلا أن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام تحدث قائلًا:

( إنِّي لأَمشي معَ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ بمنًى، إذ لقيَهُ عُثمانُ فاستَخلاهُ، فلمَّا رأى عبدُ اللَّهِ، أن ليسَت لَهُ حاجةٌ قالَ لي: تعالَ يا عَلقمةُ، فَجِئْتُ، فقالَ لَهُ عُثمانُ: ألا نزوِّجُكَ يا أبا عبدِ الرَّحمنِ بجاريةٍ بِكْرٍ؛ لعلَّهُ يرجِعُ إليكَ من نفسِكَ ما كنتَ تعهَدُ ، فقالَ عبدُ اللَّهِ: لئن قُلتَ ذاكَ، لقَد سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ – صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ – يقولُ: منِ استَطاعَ منكمُ الباءةَ فليتزوَّجْ، فإنَّهُ أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرجِ، ومن لم يستَطِعْ منكُم فعلَيهِ بالصَّومِ، فإنَّهُ لَهُ وِجاءٌ ) الراوي: علقمة بن قيس، المحدث: الألباني.

– الأسباب الرئيسية في الامتناع عن الزواج

  • في هذه الأيام نجد أن الوضع اختلف تمامًا، حيث عزف عن الزواج عدد كبير جدًا من الشباب، بسبب المبالغة في تكاليفه، سواء من جانب أهل العروس، أو بسبب ارتفاع أسعار المستلزمات المطلوبة من الشاب.
  • ومن أهمها منزل الزوجية أو ” الشقة ” حيث لا يمتلك الشاب، وهو في بداية حياته، كل هذه الإمكانيات، حتى يقوم بتجهيز شقة تمليك له ولزوجته.
  • وفي حالة اللجوء إلى الإيجار، تجد أن الأقساط الشهرية المطلوبة منه كبيرة، لا يستطيع تسديدها، أو يضطر إلى دفع أكثر من نصف راتبه للإيجار فقط.
  • أيضًا من جانب العروسة، وأهلها، تجدهم مبالغين في مطالبهم في قيمة الذهب، أو ما يعرف بـ ” الشبكة ” بجانب تصميمات، وتشطيبات المنزل باهظة الثمن، والرغبة في فرحٍ كبير بتكاليف مرتفعة، أسوةً بأصحابها، وأقاربها السابقين لها.
  • كما تجد في الغالب أن ذلك العريس لم يعتمد على نفسه إطلاقًا في التجهيزات، بل اتكل على والده الثري، ليوفر كل هذا، كما تجد أيضًا أهل الزوجة يرددون دومًا عبارة ” بنتنا مش أقل من حد “.
  • وهنا يجد الشباب، أن كل هذه الأعباء تعجيزية على شاب في بداية حياته العملية، وكان رد الفعل هو: البعد عن التفكير في الزواج، حيث يتبادلون معًا الحديث في جلساتهم، ومقابلاتهم، وخروجهم.
  • فأصبح ذلك اتجاهًا عامًا لكل الشباب الذين يعتمدون على أنفسهم، بعيدًا عن مساعدات الأهل المادية، حيث تجد معظمهم شعر بالإرهاق من المصاريف، حتى وصل ابنه إلى مرحلة التخرج، والعمل، متمنين له مستقبلًا أفضل.

2- فوائد الزواج المبكر للشباب

  • عندما تنظر إلى التفكير السائد في العالم، تجده ينظر إلى الزواج المبكر، بأنه ارتكاب عنفٍ بدني، ونفسي، ضد الفتيات الصغار.
  • وهدفهم في الغالب هو تغير مفهوم الشباب، وبعدهم عن تعاليم الإسلام، التي جاءت في الأصل لحماية الشباب والفتيات من الوقوع في المعاصي والذنوب.
  • فلم يعد الوازع الديني مؤثرًا في كل الناس، وبات الجميع منهمكًا في جمع الأموال، متأثرين بما يتم ترديده في القنوات الفضائية، التي تعمل لأجندات دولية مخطط لها.
  • وهنا أيضًا، لا بد من إلقاء نظرة على طريقة التربية في المنازل، فلم يعد الشاب، ولا الفتاة، متحملًا للمسؤولية، وهذا بسبب كثرة الرفاهية في حياته.
  • حيث اعتاد على توفير كل رغباته، وكذلك لم يتم الفهم الصحيح من هدف الزواج، ومن هنا نطلب من كل مربٍّ الاعتماد على تعاليم الدين الإسلامي، وتفهيم الأبناء، وإعدادهم للمسئوليات المطلوبة منهم في الكبر.

3- أسباب الامتناع عن الزواج

أصبحت ظاهرة الامتناع عن الزواج واحدة من أكثر الظواهر شيوعًا بين الشباب، في الأيام الأخيرة، ولعل انتشار هذه الظاهرة يرجع إلى عدة أسبابٍ، أهمها:

– ارتفاع نفقات الزواج وغلاء المهور

  • من أهم الأسباب التي تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج، هي كثرة تكاليف الزواج.
  • فكثير من العائلات تغالي في مهور بناتها، دون أن تقدر ظروف الشباب، ودون أن تضع في الاعتبار أنهم ما زالوا في أول الطريق.

– الخوف من تحمل المسئولية

  • كثير من الشباب والبنات يعزفون عن الزواج؛ خوفًا من تحمل مسئولية المنزل والأبناء، وخوفًا من فكرة الارتباط، التي تقيد من حرياتهم.
  • ولهذا يلجأون إلى فكرة الامتناع عن الزواج ظنّاّ منهم بأن هذا هو الحل المثالي للحصول على الحرية الكاملة، التي لطالما يحلمون أن يعيشونها طوال مدة حياتهم.

– الخوف من فكرة الفشل

  • نظرًا لزيادة حالات الطلاق، التي ازدادت في مجتمعاتنا في الفترات الأخيرة، وما يترتب عليه من خسائر مادية، ومعنوية كثيرة تصيب الطرفين.
  • فإن كثير من الشباب يرفضون التفكير في الزواج، لخوفهم من الفشل، والوصول لهذه النتيجة المؤسفة.

– رغبة الشباب في السفر والعمل في الخارج

  • نتيجة لقلة توافر فرص العمل داخل البلاد، اضطر الكثير من الشباب للتفكير في السفر للخارج، لتحقيق أحلامهم من إيجاد فرصة عمل مناسبة.
  • وكثيرٌ منهم يفضل البقاء في الخارج، والزواج من فتيات أجنبيات، بغرض الحصول على جنسية الدولة المراد السفر إليها، لأن الزواج منهم أقل تكلفة من بنات بلادهم.

– البطالة

  • أحد أقوى الأسباب التي تجعل الشباب يبتعدون عن التفكير في الزواج: هي البطالة، أي عدم وجود فرصة عمل مناسبة، وبالتالي عدم القدرة على تحمل المسئولية المادية للزوجة والأبناء.

– رغبة الفتيات في تكميل تعليمهم

  • الكثير من الفتيات تعزف عن الزواج؛ رغبةً منها في إكمال مشوارها التعليمي، والحصول على مكانة علمية عالية، ثم الوصول لعملٍ مناسب.
  • حيث تظن أن عملها يساعد على الاعتماد على النفس، والاستقلال بالذات، مما يجعلها تعزف عن فكرة الزواج، حتى لا تخسر عملها، أو لا تقيد حريتها، وتحد من طموحها.
  • هناك أسباب أخرى تجعل الشباب يبتعدون عن التفكير في الزواج، منها عدم الثقة في أخلاق الفتيات، نتيجة الأفعال غير اللائقة، التي تصدر من قلة من الفتيات غير الصالحات.
  • وتلك الأفعال تجعل الشباب تهتز ثقتهم في جميع الفتيات، مما يؤدي إلى عزوفهم عن الزواج.
  • بالإضافة إلى الفساد، وانتشار الرذيلة، التي تتيح لكثيرٍ من الشباب فرصة ممارسة علاقة بطرق محرمة، وغير أخلاقية، مما يجعلهم لا يرغبون في الزواج.

4- حلول الامتناع عن الزواج

  • يجب على جميع العائلات، أن تعيد التفكير في مسألة ارتفاع تكاليف الزواج، وعدم المغالاة في مهور بناتهم، والاكتفاء بما هو ضروري فقط.
  • يجب على الشباب الاجتهاد، والعمل، من أجل توفير حياة كريمة لزوجته، وأبنائه.
  • حث الشباب على الزواج، من خلال تقديم نماذج زوجية ناجحة، وعلى درجة عالية من الاحترام، والتفاهم، لتبعد عنهم الأفكار السلبية، التي تسيطر على عقولهم، وتجعلهم يخافون من شبح الفشل، وانهيار الحياة الزوجية.
  • كما أن التفاهم الأسري بين الأب والأم، وعدم تعرض الأبناء للخلافات، والمشاكل الأسرية، أو المشادات الكلامية، التي تحدث بين الوالدين.جميعها أمور يتم غرسها في نفوس الأبناء، سواء كانوا ذكورًا، أو إناثًا، وعلى رأسها قيمة الحياة الأسرية، وتحببهم في الزواج.
  • كما يجب على كل الآباء والأمهات، تقوية قيمة عاطفة الأمومة والأبوة في نفوس أبنائهم، منذ صغرهم.
  • توضيح للأبناء منذ الصغر المفهوم الحقيقي للزواج لهم، والهدف الأساسي منه، ألا وهو الاستقرار، والابتعاد عن المعاصي، وإنجاب أبناء، وتكوين أسرة سوية تنفع المجتمع.
  • تربية الأبناء منذ صغرهم على مفهوم الاستقلالية الذاتية، وتحمل المسؤولية.
  • تربية الأبناء على الاعتماد على الذات، ومواجهة المشكلات، وعدم إجبار الأبناء على الزواج تحت أي ظروف.

5- المصادر:

1- حديث

2- إسلام ويب

3- طريق الإسلام

بقلم/ مي صالح