1- هل الإسلام كره العزوبية؟

كي نجيب على هذا السؤال بشكل كامل، فإننا نحتاج أن نجيبه من عدة أوجه، أولها أن حكم كراهية العزوبية في ضوء الإسلام والسنة ليس مطلقا؛ حيث أن الإسلام يراعي تباين أحوال الناس، ليسهل عليهم معيشتهم ولا يضيق عليهم

فقد قسم العلماء أحوال العزوبية لأقسام نذكرها باختصار، أولها وجوب الزواج، حيث أنه يجب على المسلم أن يتزوج في حالة الخوف من الوقوع في الفتنة المحتمة، سواء بالنظر أو الوقوع في الكبيرة المحرمة وهي الزنا، فمتى أحس المسلم بخطر هذا فيجب عليه الزواج ويأثم إن لم يفعل.

وثانيها استحباب الزواج، فيستحب للمسلم أن يبادر بالزواج وإن كانت لا تؤرقه الفتنة ولديه حصانة مانعة من الوقوع فيها؛ وذلك لحث الكتاب والسنة على الزواج باستمرار، ففي الزواج من الفوائد والوقاية من الفتنة ما لا يخفى على أحد.

وثالثها وهذا مما يفاجئ العوام، حرمانية الزواج.

فقد أكد الفقهاء حرمانية زواج المسلم إن ظن بنفسه ظلم زوجه بأية صورة، فكما يراعي الإسلام خطر الفتنة، فإنه يراعي أيضا الطرف الآخر، فلا يظلم الإسلام فردا على حساب فرد آخر أبدا.

وهنا نوضح أن اعتقاد العامة من الناس بحرمانية ترك الزواج نهائيا هو محض وهم، فلا يطلق الإسلام أحكاما تراعي شقا من الناس وتتجاهل الشق الآخر، بل يراعي كل فرد على حسب حاله.

2- العزوف عن الزواج

العزوف عن الزواج يختلف عن العزوبية؛ فالعزوف عن الزواج هو رفض الزواج مطلقا من بابه، وليس تمهل وتأخر فيه كالعزوبية، وهذا كرهه النبي صلى الله عليه وسلم  من بابه، وعدّ العزوف مطلقا عن الزواج شيء ليس بمحمود أبدا، ولو كان زهدا في الدنيا، بل أن النبي اعتبر أن العزوف عن الزواج ليس من الزهد ولا الإيمان في شيء، فدين الله متكامل ولن يفيد الدين ألا تتزوج وتترهبن خدمة له، فقد جاء في الصحيحين حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم   يوضح لنا ذلك.

وهذا الحديث يوضح لنا حكم العزوف عن الزواج زهدا أو لأي سبب آخر، فحكم من فعل هذا أنه لم يسر على نهج رسول الله في هذا الأمر، وهذا مكروه مطلقا.

وحديث نبينا الكريم الوارد بصحيح البخاري يوضح لنا ذلك:

حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا حميد بن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني”

3- علماء ماتوا عزابا

كثيرما نسمع أن هنالك الكثير من علماء الإسلام من لم يتزوج أبدا، ولا ندري كيف فعلوا ذلك مع حث النبي على الزواج.

وهنا نقول أن عدم زواج بعض الأئمة لم يكون على النحو المكروه الذي كرهه النبي، فهم لم يعزفوا عن الزواج زهدا ولا رهبنة، وأيضا لم يكونوا في حالة وجوب الزواج كما ذكرنا قبلا، فاعتبروا الزواج نافلة لا يأثم تاركها، فآثروا العلم على الزواج والأولاد، وعلى رأس هؤلاء العلماء شيخ الإسلام بن تيمية، والطبري، والنووي، وشيخ الإسلام بن تيمية عزف عن الزواج بما كان فيه من دعوة وحبس وغيره، ولم يتركه زهدا، ويظهر لنا هذا من قوله: “وإن احتاج الإنسان إلى النكاح، وخشي العنت بتركه: قدمه على الحج الواجب، وإن لم يخف: قدم الحج.

فيظهر لنا من قوله هنا أنه قدم الزواج في حالة الخوف من الوقوع في الفتنة، على الحج الواجب، أي الحج لأول مرة الذي يسقط به الفرض!

وهذا مما يوضح عدم ترغيب شيخ الإسلام الناس في العزوف عن الزواج، بل أن ظروفه وظروف دعوته ما دفعته لذلك.

4- التعاون على ردع فتنة العازب

كثير ما يردد الناس بأن ردع فتنة العازب هي مسؤولية العازب وحده، وهذا من الخطأ المبين؛ فقد حث الإسلام المجتمع كله على التعاون لردع فتنة العزاب وعدم وقوعهم في الفتنة، وحث النبي صلى الله عليه وسلم  الشباب من استطاع منهم الزواج فليبادر بالزواج فورا، وهناك أحكاما لم تشرع لردع فتنة العازب فقط ولكن لا شك أن لها وجه من ذلك، كغض البصر، والحجاب للمرأة، وكراهية الاختلاط بين الرجل والمرأة، وقصر الحديث بين الرجل والمرأة على الأشياء الضرورية.

ومما يجب على المجتمع لردع فتنة العازب: تسهيل الزواج، فلا يلزمن أحدا باجبار الشباب على انتظار الزواج لسن معينة، كاجبار الشباب على الانتظار لحين إكمال التعليم العالي، فكثير من الشباب بحاجة إلى الزواج، والزواج في حكمهم فرض، ولكن يمنعهم المجتمع من الزواج، وهذا مما لا يرضاه الله بأي حال.

ومن صور تسهيل الزواج: عدم شق الناس على الشباب في تكاليف الزواج الباهظة، فليأخذوا باليسير ولا يشقون على الشاب، بل يساعدوه كي يتزوج في أسرع وقت.

وآخيرا يجب أن يسير المجتمع المسلم على نهج نبيه صلى الله عليه وسلم  في تسهيل الزواج وردع فتنة العازب، ليكون مجتمعا خالٍ من فعل الكبائر، مجتمع يندر به فعل الحرام.

5- آداب العازب

وضع الإسلام آدابا يتأدب بها العازب، فيقي نفسه الفتنة قدر الاستطاعة.

وأول هذه الآداب ذكرها الله عز وجل في -سورة النور الآية 33-فقال: “وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله”

فيصبر الله المؤمنين الغير قادرين على الزواج، ويقول لهم أن العفة هي الحل، والعفة هي غض البصر، والبعد عن مخالطة النساء، واجتناب السهولة في حديث النساء، وبالنسبة للنساء نفس الأمر، تغض بصرها عن الرجال ولا تستهل الحديث معهم فيألف قلبها الحديث وتقع في الفتنة.

ولا حرج في الإسلام أن تستدين للزواج، بل هذا من المُرجح والمستحب، وذكر لنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم  حلا فائقا لحل هذا المشكلة، ألا وهو: الصوم.

فقد ذكر في الصحيحين: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني إبراهيم عن علقمة قال كنت مع عبد الله فلقيه عثمان بمنى فقال” يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة فخلوا فقال عثمان هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي فقال يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول أما لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” فالصوم يعصم من الفتنة، والصوم عبادة يؤجر عليها المسلم قبل أي شيء، فإن صام اتقاء للفتنة، حصل على أجر الصوم وأجر تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم .

6- المصادر

-الصحيحين البخاري ومسلم

-موقع الإسلام سؤال وجواب

  بقلم : تقى فخر الدين